ويعود السياسي الأسباني المخضرم، السيِّد أثنار الذي تحالف مع الرئيس الأمريكي السابق السيِّد جورج بوش الابن في ما سمَّوه "الحرب على الإرهاب"، ليكرِّر من جديد قناعته بأنَّ المسلمين عامة، والعرب على وجه الخصوص، هم إرهابيُّون وأعداء للإنسانيَّة. وأنَّ الأسبان عانوا من عتوِّهم وجبروتهم طوال قرون ثمانية، مدَّة حكمهم الإسلامي في شبه الجزيرة الأيبيريةَّ. وأنَّ حروب الاسترداد قد استمرَّت من العام الأوَّل للاحتلال إلى عام 1492 م الذي شهد تحرير آخر معاقل المسلمين، ومن ثمَّ رميهم خارج الحدود. وما إسرائيل اليوم إلا صورة لأسبانيا التي استعادت هويَّتها. وحقُّ اليهود في أرض الميعاد حقٌّ مقدَّس، والعودة إلى حدود 1967 من أجل إقامة دولة للفلسطينيِّين، وفيهم مَن فيهم مِن المسلمين الإرهابيِّين كحماس والإخوان المسلمين تهديد لأمن إسرائيل وبقائها، وخطر على أمن الغرب واستقراره. والوقوف إلى جانب إسرائيل هو دفاع عن السلام لكونها تشترك مع الدول الديمقراطيَّة في سلسلة من القيم كالحرِّيَّة والاحترام والتعدُّدية والمساواة بين الرجل والمرأة. فالضغط عليها للعودة إلى حدود 1967 من أجل قيام دولة فلسطينيَّة هو طلب مجحف وغير عادل. وبالتالي، فرؤية الرئيس أوباما في عودة الطرفين للمفاوضات النهائيَّة وفقًا لحدود 1967 مع تعديلات طفيفة مقابل مبادلة الأراضي بين الطرفين فيها خطر على وجود الدولة اليهوديَّة ولا يصح الأخذ بها. وفي قناعة أثنار أنَّ جهات عديدة ستمارس الضغط على إسرائيل لتقبل العودة إلى تلك الحدود "القاتلة"؟ لذا ليس لدى إسرائيل من الحلفاء ما يكفي لدرء هذا الخطر، وبالتالي يجب التحرُّك بسرعة كي لا يتحقَّق هذا السيناريو، ولكي يكون لإسرائيل حقُّ اختيار شروط الاتِّفاق. فإسرائيل، "الجزيرة الوحيدة التي ما تزال مستقرَّة بين المغرب وباكستان". وأنَّ المخاطر التي تواجهها هذه الدولة هي ذاتها المخاطر التي تهدِّد أمن الدول الغربيَّة واستقرارها. هذا ما عبَّر عنه، وبالفم المليان والدم البارد السيِّد أثنار وهو يقرأ ورقته عن الشرق الأوسط أمام المشاركين في ندوة جمعيَّة "ألبيرت آينشتاين" الإسرائيليَّة البرازيليَّة الخيريَّة التي عُقدت قبل أيَّام في سان باولو. ويعمل حزبه اليميني في أسبانيا على إعداد كوادره أملاً في العودة إلى سدَّة الحكم، واعدًا بإصلاح ما "أفسده" الاشتراكيُّون في اقتصاد البلد طوال سنوات حكمهم، ووضع أسبانيا على حافة الإفلاس. فهم اليمينيون، أهل المال والاقتصاد، وتربطهم بالمتحكِّمين في دورة الاقتصاد العالمي صلات وثيقة من شأنها أن تدفع عجلة النموِّ للتحرُّك من جديد. كلُّ ما يخشاه الناخب الأسباني من أصول عربيَّة، والأسبان الذين يقدِّرون العلاقات العربيَّة الأسبانيَّة حقَّ قدرها، أن تتوافق رؤية القيادة الحاليَّة للحزب الشعبي مع رؤية السيِّد أثنار عن القضيَّة الفلسطينيَّة فيصابون بخيبة أمل. فالشارع الأسباني اليوم، من باب "أعطِ الخبَّاز خبزه ولو أكل نصفه"، هو مع خروج الاشتراكيِّين من اللعبة السياسيَّة لكون الأزمة اقتصاديَّة. والشارع العربي اليوم، وأكثر من أيِّ وقت مضى، مع مناصرة الفلسطينيِّين مسلمين ومسيحيِّين، ويدعم حقوقهم المشروعة في قدسهم ومقدَّساتهم في أرضهم، ولقيام دولتهم على ما تبقَّى لهم من بيتهم الفلسطيني. مدريد