الرغيف هو ذلك الجسم الدائري الذي منذ أن خلقنا ونحن نكدح من أجله .. حتى أنه يقال : أذهب وابحث عن لقمة عيشك . ومع ذلك يظل هذا الرغيف العجيب في الكثير من الأحيان صعب المنال في زمن أصبح فيه تجار الأرغفة يتفننون في حجبه عن البطون الجائعة . وللذين لا يعرفون المناضل رغيف واستبدلوه بالسيد توست أو الباجيت .. نقول لهم : يظل الرغيف عبر العصور هو العنصر الأبرز في كل الثورات التي قامت ضد الجوع . وحتى لا يساومك أحد على رغيفك عليك أن تتعلم فن الحوار . والحوار لا يختلف عن رغيف الخبز لأنه يحتاج لدورة كاملة ولفنون عدة وعجن وتخمير حتى يصل إلى مائدة الحوار الساخنة وتستطيع عقول المتحاورين هضمه لا بطونهم وهذا هو الفرق الوحيد .. البطن والعقل . البعض عندما يحاور يدون مسبقا أحقيته في فرض رأيه والوقوف في أقصى الأمور غير معترف بمنطقة اسمها الوسط . و في فن الحوار وآدابه استوقفتني نقطة مهمة تقول : أن يكون لدى كافة أطراف الحوار قدرة الاعتراف بالخطأ في حال خالف الصواب .وهذا ما نفتقده حقيقة في ظل الغوغائية التي أصبحت كالصوت النشاز .. والمؤسف أن بعض الأطراف الإعلامية سقطت في مستنقع هذا الخطأ الفادح مع أن دورها هو التمهيد لكافة المتحاورين وجعلهم يلتقون في منطقة وسط وكلمة سواء . الرغيف المحروق تتدافعه الأيدي وتزدريه الأعين ويظل بعيدا تعافه البطون .. وكذلك الحوار عندما يسقط وتحرق كل محاوره فإنه يتحول لصراع لا هدف له سوى الغايات الشخصية . عندها تلفظه العقول ويصبح عقيما لا يساعد في الوصول إلى الحقيقة . والعرب تقول : رأس الأدب كله الفهم والتفهم والإصغاء إلى المتكلم .