هناك شخصيات مؤثرة في حياتنا لايمكن تجاهلها ولانسيانها وتظل في حياتنا علامة فارقة تبرز كلما أخذتنا الحياة إلى مدارج عديدة نرتفع فيها ونهبط وهي ثابتة على مر العصور والعواصف التي تجتاحنا خصوصا عندما نتبوأ منصبا أو ندخل في غمار مهنة نسترجع فيها تعاليم وتوجيهات المعلم الذي تتلمذنا على يديه . وفي الصحافة حيث هي المهنة التي عشتها وعشعشت في حياتي وشكلت تفكيري حتى أصبحت لقمة العيش التي سخرني الله لها وسخرها لي وفي كل مسيرتي فيها أتمثل المعلم الذي عرفت منه قيمة الكلمة والمعلومة وفرقت فيها بين الخبر والتحقيق والتقرير والاستطلاع . ذلكم المعلم الذي أعتبره أستاذ جيل من الصحفيين الذين وصلوا إلى قمة العمل الصحفي في مدرسة « المدينة « الجريدة التي كانت تتميز بنوعية خريجيها وبما تحمله من رسالة وطنية بدأت منذ أن عرفت بلادنا رائحة الحبر والورق والمعاناة الطويلة والعصيبة في الطبع والنشر والتوزيع . محمد صلاح الدين يكفي أن تذكر اسمه لتتذكر كوكبة من الأسماء التي تدين له بالفضل في بروزها الصحفي على تنوع قوالبه وإشكاله .. فقد كان أستاذا ومعلما لا يحمل سوى قلمه وابتسامته وشيئا من ورق تختلف مقاساته وإحجامه . كنت في بداية عمري الصحفي أتعلم كيف أصيغ الخبر بعد أن أحصل عليه واقف حاملا حصيلة يوم من البحث الميداني لأضعه أمامه فيعالج فجواته ويأخذ طريقه للنشر دون أن يعرف القارئ من صنعه .. لقد كان بإمكان الأستاذ صلاح الدين أن يفعل ما يقوم به صحفيو اليوم حيث نجد أسماء تبدأ بها الأعمال الصحفية منذ أن تطأ قدم ذلك المحرر بوابة تلك الصحيفة , لكنه لا يود من تلميذه أن يشعر بالنجاح دون أن يقدم جهدا يستحقه وعملا يجدر بأسمه أن يبدأ به .. ولا أزال أذكر كيف تعامل الأستاذ صلاح الدين مع سبق تميزت به « المدينة « وقتها وهو إعلان التوصل الى « اتحاد الأمارات العربية « فقد حصلت وقتها على تصريح طويل من الأستاذ محمد إبراهيم مسعود يرحمه الله وكان وقتها وكيلا لوزارة الخارجية وما أن كتبته حتى هرعت لمكتب الأستاذ صلاح الدين والذي اسمعني كلمات إطراء جعلتني اختال في مشيتي في غرف تحرير « المدينة التي لم تكن تتعدى أربع غرف في سطح مطابع الأصفهاني حيث كانت تطبع الجريدة .. وقال لي وقتها « غدا ستقرأ اسمك في الصفحة الأولى « وقد كان ولكن بعد سنة كاملة من الجهد والعمل . كثيرون من الصحفيين والكتاب كان للأستاذ صلاح الدين دورا بارزا في ظهورهم لعالم الصحافة والكلمة في بلادنا ومنهم هاشم عبده هاشم الذي كان المدرب الذي أوكلت له مهمة قيادتي واحمد محمود الذي كان الوحيد بيننا إجادة للغة الانجليزية وسباعي عثمان رحمه الله المشرف على الثقافة وعلي حسون ذراع الصحيفة في المدينةالمنورة الذي كان بمثابة الصحفي الشامل ثقافة ورياضة ومجتمعا واقتصادا ومحمد الطيار وعلي الشدي في الرياض وغيرهم مما لاتحضرني أسماؤهم في هذه العجالة كانوا كوكبة من جيل الصحافة المسئولة التي أخذت تنموا حتى وصلت إلى هذا الوضع الذي جعلها صحافة عربية تعكس حراك بلد له وزنه في عالمنا العربي والإسلامي والدولي . محمد صلاح الدين رمز من رموز صحافتنا وحق علينا وعلى المسئولين عن الإعلام في بلادنا أن نكرمه وفاء لما قدم واعترافا بجهد قام به لم يقتصر على الصحافة فحسب وإنما تعداه إلى مجالات إعلامية أخرى كالنشر والإعلان والتوزيع والصحافة الإنجليزية السعودية وإخراج المطبوعات المتخصصة التي كان وراءها بجهده وماله رغم ضآلة عائدها المالي . لنحفظ لهذا الرمز الذي لم ينشغل عن تشجيع ومتابعة تلاميذه بتواضع المعلم الذي لايزال يعتبرنا جميعا زملاء له ولم يشعرنا يوما بأستاذيته .