حين سألته عن سبب توقفه عن الكتابة قال إن «أسرة التحرير الوليدة» أصدرت فرماناً بوقفه عن الكتابة، وإذا أصرّ على الكتابة فإن مقالاته سيتم نشرها في صحفة القراء، ولذلك أجبر على التوقف على طريقه «مكره أخاك لا بطل»! وهذه الطريقة «شاعت، وذاعت» في صحفنا فاختفت أقلام «كان يجب ألا تختفي»، وظهرت أقلام» كان يجب ألاّ تظهر»..! بعد ثلاث سنوات رأيت قلمه يتصدر الصحفة ففرحت لهذه المفاجأة، وقلت في نفسي: لقد عادت المياه لمجاريها، واقتنعت أسرة التحرير الوليدة بمكانة صديقي، وموهبته فأعادت إليه حقوقه المسلوبة، وأصبح مقاله الأسبوعي، الثمين وليس الغث، يتصدر صفحة المقالات «الكثيرة العدد، القليلة الفائدة، المعدومة النهكة، وأحياناً السيئة السمعة». لكن هذا لا يلغي فرحتي بعودته.. مرّت الأيام وأنا أسأل كيف تداركت أسرة التحرير الوليدة قيمة مقالات صديقي الكاتب فأعادته لساحة الرأي من جديد حتى جاءني الخبر اليقين، «الذي أزعجني، وأقلقني، وسلب مني الفرحة»، فقد أصبح صديقي عضواً في المؤسسة الصحفية، وبالتالي صار له «صوت» غير صوت قلمه بعد أن دفع أكثر من مليون ريال في العضوية الجديدة، وصار من حقه أن يكون كاتباً « وهو في الأساس كاتب وليس طارئاً على الكتابة، أو دخيلاً عليها» ، فحصل على الضوء الأخضر، وابتعد عن شبح صفحة القراء، وتراجعت أسرة التحرير الوليدة عن موقفها المعادي له ليس حباً فيه، أو تقديراً لمكانته، أو أيمانا بموهبته إنما رغبة في كسب صوته، واتقاء لشره حينما تطرح «قضايا التحرير» على مائدة الاجتماعات، وتتعرض أسرة التحرير للنقد فيكون هو « هينا، ليناً» في المشاركة الانتقاد حتى تخرج هذه الاجتماعات بسلام، ولا تكون فيها « توصيات أو مطالبات» برحيل أسرة التحرير الوليدة، وإقصاء رأسها عن العمل، والبحث عن أسرة تحرير جديدة..؟ وصديقي الآن بين نارين: نار المواجهة لأن أسرة التحرير بكاملها لا تعجبه، ولا تُعجب كثير من محبي الجريدة، ونار أن يُشارك في هذه المواجهة الحتمية وهو صاحب قلم موهوب يعرف أكثر من غيره قيمة العمل الصحفي فيكون أول من يدفع الثمن، ويعود موقف أسرة التحرير منه لسابق عهده فهل يصمت مقابل استمراره في الكتابة، واستمرار أسهمه التي دفعها في العضوية للخسارة، أم يقرر أن يثأر لموهبته، والمليون الذي دفعه في العضوية فيشترك في المواجهة الحتمية..؟ كأني بصديقي الموهوب يرد عليُّ : وهل عندك حل آخر ..؟ لقد دفعت ثروتي كلها في العضوية على أساس أن اصطاد عصفورين بحجر واحد: أجد مكاناً مناسباً لقلمي الذي أوشك على الضياع مني، وأنتظر ربحاً من وراء هذه العضوية - كما وعدوني، وأنا في الحالتين غارق في القلق: القلق على مصير قلمي من ناحية، والقلق على ضياع ثروتي من ناحية. لكن صديقي الموهوب لم يسأل نفسه ماذا سيفعل بقية الموهوبين لنشر إبداعهم الحقيقي إذا كانت أسرة التحرير الوليدة تنتقل من موقع الى آخر، وإذا كان هذا العدد من الموهوبين لا يملكون الملايين ليصبحوا أعضاء في المؤسسات الصحفية حتى تتاح لهم فرصة النشر «التي هم أهل لها» من غيرهم.