كتبتُ في مقال سابق عن حقوق الموظفين فامتدحوني، ولما أردت أن أكتب عن واجباتهم توقعت أن يتهموني بمجاملة الإدارة! فأحجمت عن الموضوع شهراً. ولم يخرجني من المأزق إلا صديقي الدكتور أحمد الشبعان حيث دعاني لحفل عقد قران ولده الدكتور عادل الذي يعمل في المركز الطبي الدولي في جدة، وكان بين الحضور الدكتور وليد فتيحي، رئيس مجلس الإدارة والرئيس التنفيذي للمركز، فقال بالمحتفى به كلمة فريدة. ولو كان المتكلم موظفاً يمتدح مديره لحثوت في وجهه التراب. أما وأن المدير يمتدح الموظف فهذا يستحق الانتباه. ونظرة من الخارج إلى مبنى مركزه الطبي يشعرك بأن الدكتور فتيحي لا يساوم على التميز، ولا يمكن أن يمتدح موظفاً بما ليس فيه. فماذا قال في كلمته؟ لقد بدأها بالضوابط التي وضعها الفاروق رضي الله عنه لتزكية الناس. فقد قال رجل لعمر: إن فلاناً رجلُ صدق! فقال هل سافرت معه؟ قال: لا. قال: هل عاملته بالدرهم والدينار؟ قال: لا. قال: هل هو جارك؟ قال: لا. قال: فأنت الذي لا علم لك به! أُراك رأيتَه يرفع رأسه ويخفضه في المسجد!. ثم عقّب فتيحي: أما أنا فسافرت مع الدكتور عادل مراراً، وعاملته بالمال، ويقضي في العمل وقتاً أكثر مما في بيته، فأعرف عنه أكثر من جيرانه. يتابع: عندما قابلته أول مرة رأيت فيه الحماس والنشاط، وكان يود أن يعمل في الصيدلية، فكان له ذلك، لكنه كان أكبر من شهادته. كانت شهادته في قدرته على المبادرة. كلما فُتح لنا ثغر، إما بادر، أو ألقينا به فيه، فلم نؤتَ من قِبله. لقد وجدت فيه التطور والإبداع والإخلاص والإحسان والإتقان. ولقد تنقّل بين أربعة أحوال. في حاله الأول كان يعمل ويخلص ويتوقع التقدير، وهذا حال الناس وحق من حقوقهم. وفي حاله الثاني صار يعمل ولا ينتظر التقدير. وفي الثالث صار يعمل ويخفي عمله، وهذا حال التجرد. وأخيراً صار يعمل ويُقدم غيره ويؤثره على نفسه! وما انتقل من حال إلى غيره إلا أغدق الله عليه من التوفيق. وهذا سر النجاح. وشاء الله أن يصطفينا لنعاني من سيول جدة، وحمدنا الله، لأننا لو لم نغرق لما استشعرنا بمعاناة المجتمع، ولما كنا جزءاً من التغيير الإيجابي. وفي تلك الأزمة ظهر الرجال، فالرجال لا يعرفون كما يعرفون وقت الأزمات. وكنت محاطاً بزمرة من الشباب، وكلما أردت أن أبادر وجدت عادلاً سبقني. فالرزق الحقيقي لأية مؤسسة ليس بمبانيها ولا بأموالها، إنما هو برجالها. ونحن اليوم نحتفل بفرح عادل كما نحتفل بنموذج لشباب أعاد لنا الأمل. وأقول أنا النحاس: إن واحداً يعمل معك خير من خمسة يعملون لك. فيا أيها الشاب الموظف أو الساعي إلى وظيفة هل ستعمل بطريقة تحصل فيها على امتداح مديرك؟ كلية الهندسة، جامعة الملك عبد العزيز [email protected]