ما أقصر وما أقسى الحياة الدنيا..!! لمن هي كل ما له!!.. للتصور الإسلامي.. للآخرة أثره في الاتجاهات الروحية.. والسلوكية.. عند الإنسان.. (وَمَن يُرِدْ ثَوَابَ الدُّنْيَا نُؤْتِهِ مِنْهَا وَمَن يُرِدْ ثَوَابَ الآخِرَةِ نُؤْتِهِ مِنْهَا وَسَنَجْزِي الشَّاكِرِينَ (145). فما أقصر الحياة الدنيا.. وما أضيقها حتى تحس النفس الإنسانية.. أنها لا تتصل بحياة سواها.. ولا تطمع في غير أنفاس.. وساعات.. على الأرض.. محدودة.. معدودة. إن الإيمان بالحياة الأخرى.. نعمة.. نعمة.. يفيضها.. الايمان.. على القلب.. نعمة يهبها الله سبحانه.. للفرد الفاني.. المحدود العمر.. الواسع الأمل!! (فَمِنَ النَّاسِ مَن يَقُولُ رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا وَمَا لَهُ فِي الآخِرَةِ مِنْ خَلاَقٍ).. (البقرة: 200) فالإيمان باليوم الآخر.. فوق أنه إيمان بقول الله عز وجل المطلق.. وجزاءه.. الأوفى.. هو ذاته دلالة على فيض النفس بالحيوية.. وعلى امتلائها بالحياة.. لا يقف عند حدود الأرض.. إنما يتجاوزها إلى البقاء المطلق الذي لايعلم نهايته ومداه إلا الله العليم.. وبذلك يمضي الإنسان إلى المرتقى السامي الذي يتجه صاعداً إلى جوار الله عز وجل! والاعتقاد بالآخرة يؤدي.. دوره الأساسي في إفاضة السلام على روح وقلب المؤمن وعالمه.. ونفي القلق والسخط والقنوط. إن الحساب الختامي ليس في هذه الدنيا.. والجزاء الأعظم.. ليس في هذه الدنيا.. إن الحساب الختامي هناك في الدار الآخرة.. والعدالة المطلقة.. مضمونة في هذا الحساب.. فلا ندم على ما فعله من خير.. والجهاد في صنع العمل الحسن.. إذا لم يتحقق التقدير له في الدنيا أم لم يلق جزاءه.. ولم ينل ما يستحقه.. إن الله سبحانه وتعالى سوف يوفيك بميزانه.. فالآخرة فيها العطاء.. وفيها المثوبة إن لم تعطاها في الدنيا أو لم تنل سوى نزر يسير مما تستحقه قال تعالى: (بل تؤثرون الحياة الدنيا والآخرة خير وأبقى إن هذا لفي الصحف الأولى صحف إبراهيم وموسى) صدق الله العظيم (الأعلى: 16 - 19). وهذا التصور من شأنه ان يفيض السلام على مجال السباق والمنافسة.. وان يخفف الاحساس الذي ينطلق من الشعور بأن الفرصة الوحيدة هي فرصة هذا العمر القصير المحدود! والقرآن الحكيم يلمس القلب.. لمسة قوية.. اذ يجعلنا ندرك اننا مستخلفين من الله سبحانه فيما منحنا اياه.. كما منح من قبلنا الذين سبقونا.. وإنه بدوره زائل عناد ما تفضل الله الكريم علينا به فمنحنا اياه.. يقول سبحانه (ثم جعلناكم خلائف في الارض من بعدهم لننظر كيف تعملون) صدق الله العظيم (يونس: 14). إنها أيام.. يقضيها الانسان فيما هو مستخلف عليه من الله سبحانه.. يمتحننا بما يكون منا.. ويبتلينا (الذي خلق الموت والحياة ليبلوكم أيكم أحسن عملا وهو العزيز الغفور). الملك: 2 وهو المحاسب سبحانه لنا على ما نكسب بعد بقاء فيه قليل.. في دنيانا.. دائم باقي في آخرتنا.. ان هذا التصور الذي ينشئه الايمان في القلب البشري فوق انه يرى الحقيقة.. فلا تخدعها الخدع.. تصور يثير في القلب يقظة وحساسية.. وتقوى.. وخشية من العليم البصير.. هو صمام امن المؤمن.. وصمام امن المجتمع الذي يعيش فيه. والاعتقاد باليوم الآخر ضروري لاكتمال الشعور.. بان وراء الحياة التي نحياها حكمة.. وان الخير الذي ننعم فيه.. في دنيانا.. تأتي بعده نقلة.. من الحياة التي نحياها بأمر الله.. ومن ثم لابد من حياة.. الجزاء فيها مضمون.. ان العالم الآخر.. هو الذي تصل فيه الحياة الى الكمال المقدر.. لانه الحافز على اصلاح حياتنا الدنيا وانمائها.. وفي ذواتنا.. والتعامل مع الآخر كما نحب.. ان نعامل.. وان نحب للآخر كما نحب لانفسنا.. واليقين بالآخرة هو مفرق الطرق بين من يعيش بين جدران الحس المغلقة.. ومن يعيش في الوجود المديد الرحيب.. بين من يشعر ان في حياته على الأرض هي كل ما له في هذا الوجود.. ومن يشعر ان حياته على الأرض ابتلاء يمهد للجزاء.. وان الحياة الحقيقية انما هي هنالك وراء هذا الحيز الصغير المحدود.. قال تعالى: (قل متاع الدنيا قليل والآخرة خير لمن اتقى ولا تظلمون فتيلاً) صدق الله العظيم. وكل صفة من هذه الصفات ذات قيمة في الحياة الانسانية ومن ثم كانت هي صفة من صفات المؤمنين (ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار) صدق الله العظيم. وإن اليقين بالآخرة هو الضمان ليقظة القلب وتطلعه الى ما عند الله عز وجل.. واستعلائه على كل ما فوق الأرض.. وترفعه على متاع الدنيا.. ومراقبة الله سبحانه في السر والعلن وفي الدقيق والجليل في ما ينسب اليه ويصدر عنه ويرد اليه.. وبذلك يصل الى درجة الاحسان لان الله عز وجل يراه.. فان لم يكن.. رآه فهو يراه سبحانه (إن المتقين في ظلال وعيون (41) وفواكه مما يشتهون (42) كلوا واشربوا هنيئاً بما كنتم تعلمون (43) إنا كذلك نجزي المحسنين (44) صدق الله العظيم. (إن في ذلك لذكرى لمن كان له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد) صدق الله العظيم. «والحمدلله رب العالمين من قبل ومن بعد»