* كان السؤال الأول: هل العدل يساوي الشجاعة.. هل الشجاعة تساوي العدل.. ومن يسبق الآخر في الترتيب، والقيمة، والأهمية: العدل، أم الشجاعة.. وهل يوجد عدل بلا شجاعة، وشجاعة بلا عدل؟ سمع من المشهد التمثيلي هذه العبارة "لو استخدمنا العدل لاستغنينا عن الشجاعة".. قال كأنه يحدث نفسه: كيف يمكن أن يكون حال الدنيا لو خلت من الشجاعة، واختفى من تاريخها اسم كل شجاع، هل تصبح أسعد حالاً مما هي عليه، وأهدأ بالاً مما هي فيه، وكيف يتحقق العدل إذا لم يرتبط في الأصل بالشجاعة.؟ العبارة مثيرة تماماً لكنها ليست مستفزة، مدهشة لكنها غير غامضة، متعبة في تفسيرها لكنها ليست مزعجة: لو استخدمنا العدل لاستغنينا عن الشجاعة، والعدل جميل، ورائع - حتى في المشهد التمثيلي - وأكثر جمالاً، وروعة عندما يكون خارج المشهد التمثيلي، ضمن المشاهد الحياتية المرتبطة بالواقع وإنسانه في أي مكان، فبقدر الحاجة للشجاعة تكون الحاجة أكبر للعدل الذي يغني عن الشجاعة. وكان السؤال الثاني: هل صحيح أن (القوي هو الذي يتكلم، والضعيف هو الذي يسمع).. هل هذه هي القاعدة، أم هي الاستثناء، أم هي بين، وبين..؟ دارت هذه العبارة في رأسه وهو يسمعها تجري على لسان أحد الممثلين فشدته واستفزته، شدته لأنها تجري على ألسنة العامة، والخاصة واستفزته لأن قائلها - في الدور التمثيلي الذي يقوم به - كان انتهازياً، حقق قوته بوسائل غير مشروعة، ونشر سطوته بأساليب غير محترمة، ووصل لمكان القوة بطرق غير شريفة، والتمثيل هو وجه آخر للحياة، وهذا الوجه حين يتمادى في قوته وسطوته، ونفوذه، واستغلاله تصبح الحياة كثيرة المرارة، وكثيرة الشقاء.. صحيح أن القوي هو الذي يتكلم وأن الضعيف هو الذي يسمعه لكن من هو القوي، ومن هو الضعيف، وكيف يصير شخص ما قوياً، ويصبح شخص آخر ضعيفاً، وما هي مواصفات القوي، وعلامات الضعيف، وكيف يخاف الضعيف من القوي، ولا يخاف القوي من الضعيف، وهل القوة تأتي من "القيمة" و"المعنى" وهل الضعف يأتي من عدم وجود "القيمة" و"المعنى" أم أن المسألة من أولها لآخرها انتهاز أدوار وتسلقها، والانطلاق منها، وتحقيق القوة، وجعل صوتها الأعلى، وكلماتها الأقوى، والأبرز، وعلى الجانب الثاني يكون الضعف اضطراراً، وليس تسليماً، أو اعترافاً. والسؤال الأول صعب.. والسؤال الثاني مرّ.. الأول ناضج، والثاني حائر، وبين "الصعب" و"المر" تتوالد الأسئلة من كل جانب، واتجاه، وبين النضج والحيرة، تتراجع الأسئلة تبحث عن مكان تستريح فيه!