يوجد اتفاق يكاد يكون إجماعا تاما بين المهتمين بدراسة مشكلة الفقر على اختلاف اختصاصاتهم بأن الفقر ليس وضعية ساكنة بحيث يمكن احتواؤه بعملية واحدة بل هو آلية متحركة بشكل سريع أحيانا، وباتجاهات وبنتائج غير متوقعة في كثير من الأحيان، هذه الآلية تتفاعل في إطار ثلاثي متداخل: الأمية والمرض والفقر، كل يغذي العنصرين المتبقيين. وهذا ما يجعل عملية قياس الفقر تنطلق من نمو عناصره وعملية علاج الفقر تنطلق من علاج مسبباته. لقد تطورت المفاهيم المتعلقة بتعريف الفقر وتشعبت وبالتالي تطورت المؤشرات المعتمدة في تقييمه بحكم تطور حاجيات الفرد والمجتمع وتباين مستويات المعيشة ويبقى الفقر بغض النظر عن أساليب قياس مداه وتغلغله في أي مجتمع المشكلة الاقتصادية الأساسية التي عانى الإنسان منها منذ فجر التاريخ. تلك رؤية موجزة من تقرير شارك فيه خبراء اقتصاديون، التقرير يتناول المشكلة من المنظورين : الرؤية الإسلامية والواقع القائم، استنادا إلى تقارير دولية عن كثير من المجتمعات الإنسانية، ويصل إلى عدد من الاستنتاجات أهمها؛ أولا: إن الفقر مشكلة تتواجد في كل مجتمع بشري وإن كان بمظاهر ودرجات متفاوتة. ثانيا: أن المشكلة تستعصي على ابتداع حلّ أو مجموعة حلول مثالية صالحة لكل وقت وكلّ مكان، ثالثا: أن أفق الحلّ العملي ينبغي أن يطول ليشمل أجيالا متلاحقة؛ رابعا: أن اعتماد المنظور الوطني في كل دولة لعلاج الفقر واعتماد المنظور الإسلامي الشامل للمشكلة ليس من الضروري أن يتزامنا أو يكملا بعضهما بعضا، وأخيرا: إن التفكير في انتقال أرباب الأسر الفقيرة ذوي الخبرات والمعارف والمهارات بشكل إقامة طويلة بين المجتمعات الإسلامية الباحثة عن العمالة القادرة أو الكفؤة قد يكون أحد أفضل الحلول التي لم تحظ بعد بتطبيق عملي جاد بين الدول الإسلامية. وليس جديدا القول بأن الاقتصاديين على مختلف توجهاتهم يعتقدون بأن مشكلة الفقر ماهي إلا مظاهر لتعابير كامنة تبين اختلالات إما بين كمّ ونوع المتاح لمجتمع ما من موارد وبين احتياجات ذلك المجتمع من ناحية، أو قصور في معارف ذلك المجتمع عن تحويرات أو تطويرات ممكنة لموارده، بالقدر الذي يماشى اختلاف وتباين احتياجاته، أو عجز في آليات الوصول إلى الدخول والثروات، بالقدر الذي يحرم فئة أو فئات من استحقاقات دينية و أخلاقية . وبناءً عليه فإن سبب نشوء مشكلة الفقر وفقا للمنظور الاقتصادي، يرجع إلى أن الحاجات الإنسانية تتزايد بنسبة أكبر من تزايد الموارد الطبيعية، وهذا يعني أن معدل النمو السكاني ومعدل حاجاتهم يتزايدان بمعدل أكبر من تزايد الموارد الطبيعية، ولكن هل يقبل المختصون بدراسة الاقتصاد الإسلامي هذه النتيجة؟ للإجابة عن هذا السؤال لابد من بيان مدى ندرة أو وفرة الموارد الطبيعية، ثم بيان مدى كفاية الموارد الطبيعية. تلك مقدمة نوعية لبحوث يشارك فيها بعض اهلنا والمختصين بيننا، ولكن اجزم بان هناك اختلاف في نوعيات الفقر، فمثلا صديقنا الشيخ صالح التركي يقول ويردد دائما "اننا نعيش حال من فقر المقدرة" وتلك حال تحتاج الى نوعيات مختلفة من البحوث التي تقودنا الى حقيقة بعض مشاكلنا الداخلية، فمن خلال متابعة نازلة الماء في جدة اتضح ان بعض الاسر السعودية تعيش حال فقر مدقع، ومعها وفي محيطها اسر وافدة تعيش مأساة فقر اخر، لا يعرف كيف انتهى بهم الامر الى ذلك؟ نكمل الاسبوع المقبل.