في بيروت أدمنت القراءة وتطور الوضع القرائي عندي مع قراءة الصحف التي بدأت من اول يوم جلب والدي - يرحمه الله الى منزلنا أول جريدة من مكة ثم بعض الكتب الأخرى ومجلات من مصر مثل آخر ساعة والمصور ومجلة الهلال ومن تلك الأيام وهذه قضيتي القراءة ثم القراءة في كل شيء احصل عليه ثم جاءت الطامة الكبرى فبعد ان امسكت القراءة بتلابيبي لم أعد أعلم أين أنا عملت في الصحافة ثم سقطت في بحر لا قاع له وهو بحر قرأت التاريخ يا ويلنا من التاريخ لقد ضيعنا وضيعناه. أنا شخصيا لي معه قصة وله معي قضية شاقة واسعة بلا حافة ولا قاع ولا مرسى فوجدت نفسي الهث خلف سراب لا أقبض على شيء منه إلا كما يقولون قبض الريح التي ذهبت بما كان لي من مفقود لن يعود رغم انغماسه في روحي وخاطري بل ان جميع الطرق المؤدية الى معرفة الحقيقة المنشودة قد عميت وهكذا ادركتني حرفه الكلمة فتشبثت بي وتعلقت بها فليس على مايبدو لي من ذلك فكاك بل أن مهنة الكلمة اصبحت تجر جلدي على الشوك غير عابئة بي وبأوجاعي التي ادماها وعورة هذا الطريق الخطير طريق الكلمة والثقافة وطريق كل مجروح مثل الشاعر دوقله المنبجي شاعر فصيح عاش في أرض الشام أو الشاعر الحطيئة في رمال الزلفي بوادي مرخ فلهم مآسي يجب أن تروى. ودائماً طريق الثقافة لذته في خطورته ودائما أتذكر ذلك الارستقراطي الانجليزي الذي ورد حواره مع جاره في قصة شارلي دكنز قصة مدينتين عندما داست خليه ابن ذلك الجار فجاؤه ملهوفاً صائحاً ياسيدي خيلك قال ما بها قال : لقد داست على بطن ولدي فرد الانجليزي الارتسقراطي بكل برود وهل اصاب الخيل سوء ؟ انني ذلك الصبي. انها قصتي مع التاريخ انها موجعه مبكية لي دائما وفجيعتي تهون عن ما حصل لتلك الأميرة البائسة التي قرأت عنها قبل فترة لقد اطلعت على مذكرات أميرة عربية عاشت في المانيا في حقبة تاريخية ماضية في تعاسه مؤلمة هي الأميرة سالمة بنت السلطان سعيد الذي اسس امارة عربية فارهه في زنجبار وكان له اكثر من مائة ابن وابنه ثم انفلت عقد تلك الامارة وعقد تلك الأسرة بعد أن توفي والدها وضاع ذلك الملك العتيد وتشرد الابناء وقصة سالمة الموجعة آلمتني من جميع الجوانب الانسانية والاسلامية والعروبية والتاريخية لماذا لأنني متعلق بالقراءة والتاريخ والبحث عن ضالتي التي ذهبت ادراج الأيام والسنين! إن قصتي مع الكتاب والكلمة رغم لذاذتها ملتهبة ولا يمكن أن أتوقف في البحث عنه متابعة دائمة أين ما كنت. لقد أحببت أن يشاركني القارئ العزيز بعض هموم الكتاب والركض معه في صحراء الفكر ليس في بلادي فقط وانما عبر وطننا العربي حفظه من ابنائه واعدائه على حد سواء !!