نحاول أن نكون مثاليين في حياتنا وعند أول اختبار نعود لحقيقتنا .. نفقد أعصابنا وتفلت منا كلمات لم تكتب أصلاً لقاموس الإنسانية فنتذكر أننا أخطأنا .. نلتفت يمينا وشمالا ومن ثم نرتدي حلة المثالية مجددا ونحن نقنع أنفسنا بأنها زلة لسان من الشيطان. نراوغ ذلك البائع المسكين في آخر الشارع لننتزع منه بعض الريالات فيقف محتارا وهو يبتلع ريقه ويتذكر أبناءه واحتياجاتهم فيوافق مرغما على بيعك بثمن بخس .. عندها تشعر بنشوة النصر تعتري جسدك وأنت تغادره بينما هو يدس ما كسبه منك داخل جيب ثوبه المهترىء ولسانه يردد الحمد لله . وعلى بعد ساعة من فرحة نصرك وبعد تناول قهوتك داخل المقهى الفاخر تدس في يد النادل بقشيشا مجزياً وتغادر وأنت تختال وفي قرارة نفسك أنه مظهر حضاري ومثالي. نكتشف أننا نسخ مكررة من بعض الوجوه التي مرت في حياتنا نسير على خطاهم ، نتحدث مثلهم ونردد أقوالهم ، وننصهر في حياتهم .. حتى أن أهدافهم تصبح هي أهدافنا ولو كانت أكبر من مقدرتنا ومع ذلك نستمر كنسخ مشوهة معتقدين أنها الحياة المثالية. نكتب كلاما مصفوفا نحشد فيه الكثير من النظريات والكثير من الفرضيات حتى نظهر أمام القراء بالوجه الجميل الخالي من الندب ، ولكن هل نحن أسوياء حقا حتى نعطي لأنفسنا الحق لكي نتسلل إلى عقول الناس لنهدم ونبني ونقيم ونهاجر؟. وبعد كل ذلك نجد أن الحياة مكررة نفس المشاهد والأحداث ، ونفس المثالية الباهتة التي تحولنا لمجرد مهرجين نتشقلب على واقعنا وسلوكياتنا في الحياة وكأننا نسكن دائرة لا نعرف من أين تبدأ وإلى أي نقطة تنتهي.