لقد كان معالي الدكتور محمد عبده يماني ملء السمع والبصر في هذا الوطن، وفي العالميين العربي والاسلامي لما حباه الله تعالى من مناقب يندر ان تجدها في هذا الزمن، فقد كان الفقيد الغالي طيب الخلق، عفيف اللسان، ديدنه السعي في الخير ومساعدة الفقراء والايتام والارامل، وبصماته في الفكر والتعليم والاعلام والعمل الانساني والخيري والاجتماعي يشهد له القاصي والداني. تعرفت على معالي الدكتور محمد عبده يماني، وانا لم ازل طالباً في جامعة الملك عبدالعزيز إذ كان يشغل - آنذاك - منصب مدير للجامعة، فكان عطوفاً محباً للاستماع الى طلاب الجامعة - وأنا واحد منهم - ومتواضعاً لدرجة يجعلك تشعر أن الباب مفتوح لتقول ما يشغل ذهنك من افكار وآراء، وهو جاهز للمناقشة، فقد قرأ مقال لي نشر في مجلة (الغد) التي كانت تصدر في كلية الاقتصاد والادارة بالعدد (2) بعنوان: "عدم المبالاة" وهي مجموعة آراء في التربية نشر المقال الاول، فاعجب بما تضمنه المقال ومعالجته للظاهرة التي كانت منتشرة بين الوسط الشبابي، وطالبني ان استمر في نشر باقي المقالات، كما اشاد يرحمه الله رحمة واسعة بما كان ينشر لي في جريدة عكاظ من مقالات سياسية واقتصادية واجتماعية وثقافية طلب مني ان اضعها في كتاب حتى يمكن للباحثين - وهو واحد منهم - في الاستفادة منها في دارساتهم وابحاثهم حول القضايا التي تطرقت اليها من ضمنها: "نحو تنظيم العمل الاسلامي في العالم"، و"عزوف الشباب عن الزواج" و"معالم في التنمية" "وكيف تنهار دولة اسرائيل" شكرته على هذه الاريحية ووعدته بانني سأخذ برأيه في القريب، وانفاذاً لرغبة معاليه - يرحمه الله - طبعت كل عنوان على حدة في كتاب مستقل، وحينما رآها - يرحمه الله - في معرض جدة الدولي للكتاب لم ينتظر بمهاتفتي لارسالها اليه بالبريد، وانما بادر بشراء نسخ منها، وعندما رآني في احدى المناسبات عانقني عناقاً حاراً وبارك مسرورا على ان يرى ما تمناه أصبح واقعاً ملموساً مطالباً بالاستمرار في طبع باقي القضايا لما فيها من فائدة ونفع. واستمرت علاقتي مع معاليه تنمو شيئا فشيئا بعد تخرجي من الجامعة إذ كنت اسعد بمقابلته في المواليد التي كان الوالد وبعض اصدقائه يرحمهم الله جميعاً يحرصون على اقامتها في كل عام، وقد سألني في احدى المرات قبل نقل مقر عمله الى مدينة الرياض لماذا لم تواظب على حضور المواليد في كل عام، واضاف: هل تأثرت برأي البعض الذين شرعنوا بعدم جوازها؟ أجبت معاليه - آنذاك - انا اسعد كثيراً بالمشاركة في ذكرى المصطفى عليه افضل الصلوات واتم التسليم، ولكن ارتباطاتي بالعمل وتكليفي بمهات رسمية خارج الوطن حالت دون الانتظام في المشاركة في هذه المناسبة المحببة الى نفسي، قاطعني - أبا ياسر - اذا كان الامر كذلك، فوفقك الله، فأنت معذور. وعندما عملت في خارج الوطن كقائم بأعمال سفارة خادم الحرمين الشريفين لدى جمهورية غينيا طلب من رئيس قسم البرامج الاسلامية في التلفزيون الغيني ان اكتب خطاب تزكية لمعاليه لانه سيقوم بزيارته اثناء موسم الحج لان هناك اجهزة جديدة تنقص التلفزيون الغيني وعلى وجه الخصوص في اعداد البرامج الدينية ومن ضمنها برنامج "الله اكبر" والتضامن الاسلامي الذي يبث في مساء كل يوم جمعة، تظهر في خلفية البرنامجين صور لزيارات الملك فيصل - طيب الله ثراه - صاحب فكرة (التضامن) مع البلدان الافريقية الاسلامية الشقيقة، فلم تمض فترة وجيزة يصلني (طرد) بداخله يحتوي على معدات مونتاج تلفزيوني كامل، وكاميرا فيديو وجهاز تلفزيون ملون وجهاز فيديو. شعر معاليه - يرحمه الله رحمة واسعة - براحة لا توصف عندما نقلت وسائل الاعلام المختلفة المقروءة والمسموعة والمرئية في هذا الوطن في 25/ 4/ 1415 هجرية خبر تسليمي لتبرع (جمعية اقرأ الخيرية) لقسم البرامج الاسلامية في تلفزيون غينيا الذي تلقيته من رجل مكة البار معالي الاخ الدكتور محمد عبده يماني، وقد حضر تسلم هذا التبرع السخي كل من وكيل وزارة الاعلام لشؤون الاذاعة والتلفزيون الغيني السيد (سكوفانتا مادي كوندي) ورئيس قسم البرامج الاسلامية بالتلفزيون الغيني السيد (منصور فاديقا) والامين العام لاتحاد غينيا للعلومك والثقافة السيد (اببراهيم فاديقا) ومندوبين من رابطة الشؤون الاسلامية الوطنية ومندوبين من وسائل الاعلام المختلفة في جمهورية غينيا، فقد بث التلفزيون الغيني في نشرة الاخبار الرئيسية خبر التسليم ومقتطفات من خطابي الذي ارتجلته في حفل التسليم كما عرض وقائع الحفل بالكامل بعد نشرة الاخبار الاولى مباشرة، وبثت الاذاعة الغينية خطابه بالكامل واشادت بالعلاقات الوطيدة بين المملكة العربية السعودية وجمهورية غينيا. وقد اشار وكيل وزارة الاعلام لشؤون الاذاعة والتلفزيون الغيني في كلمته التي ألقاها في حفل التسليم الى ان المملكة العربية السعودية - بكل صراحة ووضوح - تقدم لغينيا المساعدة بدون شرط أو قيد. واضاف: ان غينيا لن تنسى مواقف المملكة العربية السعودية وعلى رأسها جلالة الملك فيصل - طيب الله ثراه - الذي شيد المسجد الكبير الذي يحمل اسمه في مدينة كاناكرى العاصمة الذي اصبح معلماً شامخاً من معالمها. بعثت لمعاليه رحمه الله رحمة واسعة - أصل محضر الاستلام - الموقع من مدير عام الاذاعة والتلفزيون ورئيس قسم البرامج الاسلامية بالتلفزيون الغيني فارسل لي معاليه خطاباً فضفاضاً يشكرني فيه على حفل التسليم والكلمة التي ألقيتها وما ذكرته من خصاله الحميدة. وفي الافطار الرمضاني الذي يقيمه - رحمه الله - في داره المجاور لدار آل كامل على الكورنيش في مدينة جدة دعاني بمجرد ما نقل اليه اخي طلعت بقضائي عطلة عيد الفطر في المملكة، لبيت دعوة معاليه، ذهبت مع اخي طلعت والشيخ عبدالقادر نوري وابنيه وصهره وحينما رآني - رحمه الله - رأيته يبتسم ابتسامة واسعة مرحبا بي وعانقني حناقاً طويلا: قائلاً: بارك الله فيك، لقد اشعرتني - ياطلال - انك على قدر المسؤولية الذي اولاك اياها المليك المفدى خادمن الحرمين الشريفين الملك فهد ، فسمعتك العطرة بين الغينيين - وزراء ومواطنين - الذين يترددون على موسمي العمرة والحج، ويكفيك فخرا - يا ابن مكة البار - جميع من قابلت يمتدحون حرصك على اداء صلاة الجمعة مع رئيس الجمهورية وبعض الوزراء في جامع الملك فيصل الكبير في غينيا في كل اسبوع الى جانب ترحيبك بمقابلة الدعاة وتسليمك بنفسك (شيكات) رواتبهم كل ثلاث شهور مع ما تقدمه من مرطبات وهم الذين يقطعون مئات الكيلوات من المترات حتى يصلوا الى السفارة من مدن بعيدة في غينيا وسيراليون وليبيريا كما اشادوا بما احدثته من نقلة نوعية وتطورية في السفارة وتحسين اوضاعها وسهولة الحصول على تأشيرات الزيارة والعمرة والحج في وقت قصير، وفي نفس اليوم. سألته - يرحمه الله رحمة واسعة - من اين لك هذه المعلومات؟ اجابني على الفور يزورني بين الفينة والفينة بعضهم يأتوا من غينيا وسيراليون وليبيريا للسلام عليّ، وطلب بعض المعوقات والمساعدات باعتباري رئيس مجلس ادارة جمعية اقرأ الخيرية. واضاف: صدقني لم ابدأ بمفاتحتهم عنك، وانما يسترسلون الحديث، ويفيضون بذكر ما انجزته من تطوير في جميع اعمال السفارة كتنظيمك للاجراءات المتعلقة بالتأشيرات التي تمنح في عهدك في زمن قياسي وعدم التأخير او المراجعة مرات عديدة، وجولاتك المفاجأة. شكرت معاليه على هذا الايضاح وحمدت الله حمداً كثيرا ان وفقني في اداء مهمتي التي اديتها بكل امانة واخلاص تركت غينيا، واغلب من دعني من الجاليات العربية والاسلامية يشيدون بالفترة التي قضيتها معهم، وبما انجزته من اعمال في السفارة، ومن مواقف لا تنسى. ومن خصاله الحميدة حرصه الشديد على تقديم التعازي (المواساة) على كل من يفقد له عزيز، فقد حضر بنفسه عزاء الوالد والوالدة والاخ صدقة - رحمهم الله جميعا رحمة واسعة - لمواساتي بفقدانهم في مكان العزاء في بيت الوالد الكائن في حي الجعفرية في المعابدة في مكةالمكرمة دون ان يشعرك بانه تجشم عناء الطريق من جدة الى مكة ثم العودة مرة اخرى في نفس الليلة الى جدة. واخر مرة أراه فيها في مدينة الرياض في ذكرى تأبين معالي الاخ الدكتور غازي القصيبي الذي نظمه مركز الشيخ حمد الجاسر الثقافي في مركز الملك فهد الثقافي استغرب - يرحمه الله - في عدم مشاركتي في التأبين خاصة وانه معاليه قد اطلع على مقالي المنشور في جريدة الجزيرة عن - أبا يارا - واضاف: كان غازي قرأ مقالاتك في البلاد. اجبته - رحمه الله - لم اعرف عن موعد المناسبة الا قبل ساعة من حضوري الى هنا اثناء تصفحي موقع جريدة (الوطن) على اليوتيوب بالصدفة واضفت:لقد اجدتم في كلمتكم عن - أبا يارا - فيكم البركة - يا ابا ياسر - تبسم ابتسامة خفيفة دليلا على الرضا. اسأل الله أن يتغمد فقيد العمل الخيري بواسع رحمته وأن يسكنه فسيح جناته وأن يلهم اهله وذويه الصبر والسلوان. و"انا لله وانا اليه راجعون"