التصحيف هو أن يقرأ الشخص كلاماً في كتابته خطأ فيحفظه مع خطئه، وكان هذا يكثر قديماً لما كانت الكتابة أقل وضوحاً، ومما ينقل من طرائف ذلك عن أبو الحسين أحمد بن يحيى قال: مررت بشيخ في حِجره مصحف وهو يقرأ: ولله ميزاب السموات والأرض (الميزاب هو قناة أو أنبوبة يصرف بها الماء من سطح بناء أو موضع عال). فقلت: يا شيخ، ما معنى ولله ميزاب السموات والأرض؟ قال: هذا المطر الذي نراه. فقلت: ما يكون التصحيف إلا إذا كان بتفسير يا هذا، إنما هو »ميراث السموات والأرض». فقال: اللهم اغفر لي أنا منذ ثلاثين سنة أقرؤها وهي في مصحفي هكذا. وأتى غلام فسأل حمادَ بن يزيد فقال: يا أبا إسماعيل حدثك عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن الخبز؟ فقال حماد: يا بني إذا نهى عن الخبز فمن أي شيء يعيش الناس؟ وإنما هو نهى عن الخمر. وجاء رجل إلى البشير بن سعد فقال: كيف حدثك نافع عن النبي، في الذي نشرت في أبيه القصة؟ فقال الليث: ويحك إنما هو في الذي يشرب في آنية الفضة. وقال القاضي أبو بكر بن أحمد بن كامل: حضرت بعض المشايخ المغفلين فقال: عن رسول الله عن جبريل عن الله عن رجل. فقلت: من هذا الذي يصلح أن يكون شيخ الله؟ فإذا هو «عز وجل»، وقد صحفه. وكان بشر بن يحيى بن حسان يناظر فاحتجوا عليه بطاووس فقال: يحتجون علينا بالطيور! و طاووس بن كيسان تابعي جليل من سادات الحديث والفقه. وفي حديث عن أنس بن مالك، قال كان رسول الله يدخل علينا ولي أخ صغير يكنى أبا عمير، وكان له نغر يلعب به (النغر نوع من الطيور)، فمات فدخل النبي صلى الله عليه وسلم ذات يوم، فرآه حزينا، فقال: ما شأنه؟ فقالوا مات نغره، فقال: «يا أبا عمير، ما فعل النغير؟»، قالها يداعب الطفل ويعزيه، ولكن هذا الحديث طاله التصحيف، فيروي أحدهم: جلس للتحديث شيخ يعرف بمحمد بن يزيد محمش، فحدَّث أن النبي قال: «يا أبا عمير، ما فعل البعير؟» عن إسحاق قال: كنا عند جرير (وهو من كبار علماء الحديث)، فأتاه رجل وقال: يا أبا عبد الله تقرأ علي هذا الحديث؟ فقال: وما هو؟ قال: حدثنا خربز عن رقبة. قال: ويحك أنا جرير! ونظر ابن الجصاص يوماً في المصحف في قوله تعالى «ذرهم يأكلوا ويتمتعوا»، فقال: رخيص والله! هذا من فضل ربي آكل وأتمتع بدرهم. فإذا هو قد قرأ «ذرهم» فظن أنها «درهم». وابن الجصاص تاجر في بغداد في القرن الثالث الهجري، وكان لديه مال عظيم وكان يجالس الوزراء، ورغم ذلك فإنه كان فيه غفلة، فيُروى عنه أنه نظر يوماً في المرآة فقال: اللهم بيّض وجوهنا يوم تبيض وجوه وسوّدها يوم تسود وجوه. ودخل الوزير علي بن الفرات على ابن الجصاص يحدثه وهو غافل عنه ساه، تارة ينعس وتارة يبهت، فقال له: كم ذا السهو والنعاس؟ فقال: يا سيدي عندنا في المحلة كلاب لا تدعنا ننام من كثرة صياحها وهراشها. فقال له ابن الفرات: لم لا نأمر عبيدك تضربها؟ فإني أظنها جراء. فقال: لا تقل ذلك أيها الوزير فإن كل كلب منها مثلي ومثلك.