في مثل هذه الليالي كان ذلك الشارع الشهير في المدينةالمنورة يتحول إلى حالة من البهجة، فهذه حوانيته المتلاصقة والمتعددة الأغراض تعطيك انطباعاً بهذا الإحساس، فهذا بائع الأقمشة بجانبه بائع "الكلف" بجانبه بائع "الأحذية" ذات القصب حيث ترى – المحل – مليئاً بصانعيها من الشباب في فن وحذاقة، وهناك الصيدلية وبجانبها "الخياط"، وبجانبه بائع "اليغموش"، وفي وسطه تلك المكتبة التي تكاد تكون الوحيدة التي تبيع الصحف والمجلات العربية، وأمامه على أرضية الشارع المفروش بالحجر الأسود افترش أحدهم الأرض ونثر مجموعة من الابر وبكرات الخيط ، وفي طرفه الغربي هناك دكان لبيع المسامير، وفي الجانب الآخر بائعو المقلية و"الزلبية"، وبجانب بائع المسامير هناك أحد الصوغ وبجانبه كاتب المعاريض الشهير، وهناك بائع الساعات. إنه الشارع العتيد بتقويس ممراته لاتقاء المطر والشمس في أوقات الصيف، يتحول هذا الشارع كما شوارع كثيرة وعتيقة في بعض المدن مثل سوق الحميدية في دمشق، وسوق الموسكي في القاهرة، وسوق قابل في جدة، وسوق واقف في قطر، وباب مراكش في الدارالبيضاء إلى شارع فريد في بهجته. إنه شارع لو حكى لقال لنا عن حكايات عديدة عرفها، وماذا مر به على طول التاريخ الطويل الذي عاشه منذ العهد العثماني حيث بدء العمل فيه إلى وقت إزالته قبل سنوات قليلة. إنه شارع "الجمال" الفعلي بتلك البهجة التي كانت تشع من بين دكاكينه ورائحة البخور المنبعث من أحد دكاكين العطارين فيه إنه الشارع العتيد بموقعه أمام المسجد النبوي الشريف المطلة محلاته على باب السلام.. شارع "العينية" الذي كان له في ماضي الأيام في مثل هذه الليالي أزهى الليالي وأجمل الأيام، وعلى كل من العائدين وجعله الله عيداً مباركاً عليكم وأعادكم لأمثاله ولنذرف دمعة على ذكريات ذلك الشارع الفريد.