قال له صاحبه: إن فلاناً قد وصفك في احدى المناسبات وأمام خمسة أشخاص بأنك غشاش وقد استهجنت قوله واستغربته، "ما قاله فيك"، لأنني أعرف معدنك وأخلاقك ورجولتك وطريقة تعاملك، وهي بعيدة كل البعد عن ذلك الوصف الشنيع لأن الرسول صلى الله عليه وسلم وصف الغشاش بأنه ليس من الأمة في قوله عليه الصلاة والسلام "من غشنا فليس منا". فأجابه صاحبه باتزان وهدوء اعصاب وقد علت على شفتيه ابتسامة الواثق من نفسه وقال لصاحبه: يا أخي الكريم إن من صفات الرجال الذين يعرفون معنى الرجولة حقا انهم لا يغتابون الآخرين عن طريق الحديث عنهم من خلف ظهورهم حتى لو كان فيهم ما قالوه من صفات، بل إن رجولتهم تجعلهم يواجهون أصحاب الصفات السيئة - إن وجدوا - مواجهة رجل لرجل، ويقولون بكل عدل وإنصاف ما يكون في صاحبهم من صفات غير مرضية بلا زيادة أو نقصان، وعلى سبيل النصح والعتاب، وإن كان فيه صفات طيبة وأخرى غير جيدة فإنهم يبدأون بذكر ما فيه من صفات حسنة، ثم يشيرون بحصافة وذكاء ولباقة إلى ما لاحظوه على من يريدون توجيه النقد له ولا يكون ذلك النقد مبنياً على تصفية حسابات أو أهواء شخصية أو على سبيل الانتقام، وإنما على سبيل النصح والإرشاد، وهذه المواقف لا تأتي إلا من الرجال. أما فلان فيبدو انه اختار الغيبة وسيلة رخيصة للطعن والانتقام، وقد يكون دافعه إلى ذلك الخلق السيئ "الحسد" الذي طالما أحرق أصحابه، ولم يضر محسوديه في شيء ما داموا أنهم متوكلون على الله وهو الذي يدافع عنهم "إن الله يدافع عن الذين آمنوا" أو يكون هذا المغتاب في نفسه لؤماً وغشاً للآخرين وحسداً على كل صاحب نعمة ويرى أنه مكشوف بأخلاقه وتعامله وانتهازية في الوصول إلى اغراضه. وإن مثله وقد جمع بين الحسد والغش وقد يحلو لمثله أن يرمي الناس بدائه تطبيقاً للمثل العربي القائل "رمتني بدائها وانسلت"، مصدر تربيته ومن كانت هذه طبائعه ، يقل حياؤه ولا يهمه ما يقال فيه على اساس أنه لا يستحي فيصنع ما يشاء! وأي تجريح يأتي أو يصدر منه اعتبره شهادة لي حسب قول الشاعر: وإذا أتتك مذمتي من ناقص فهي الشهادة لي بأني كامل وأخيراً فإذا سمع رجل "من الرجال" مثل هذه الأقوال عن رجل من الرجال فعليه أن يرد غائبته ولا يكون جابراً لخاطر فلان، بل عليه أن يلقمه حجراً سواء كان ذلك الاغتياب في حفل عشاء أو مناسبة عزاء.وحقاً: قليل هم الرجال، فأهلاً وسهلاً بالرجال.