الإنسان بطبعه وفطرته كما وصفه القرآن "هلوعاً" لذلك تؤثر فيه المواقف خاصة الإنسان الذي أراد الله له بشيء من "المعاناة" ولا يجد أمامه الا أن يلتزم بالله ويتجه اليه رافعاً يديه طالباً دعمه ومعونته ولطفه، ومهما عانى الانسان في حياته فإن في ذلك رضاً ورحمة من الله ومهما لقي العبد من ربه يجد أن هناك من هو أكثر منه معاناة وأكثر منه صبراً وأكثر منه قرباً من المولى.. حضرت قبل أسبوعين زفاف ابن أحد اصدقائنا في جدة ورأيت ضمن الحضور شاباً لم يتجاوز الخامسة والعشرين من عمره يجلس على كرسي وكأنه مصاب لا يستطيع السير وسألت عنه فقال لي صاحب الدعوة أن هذا الشاب الممتلئ نشاطاً وحيوية وعنفواناً في مقتبل حياته أصيب فجأة بجرثومة في "المخ" تحولت وبسرعة إلى شلل رباعي وهو الآن رهين هذا الكرسي يعيش فيه طوال حياته.. استمعت إلى صديقي وهو يتحدث عن ابن شقيقته بألم وقلت إن الله سبحانه لا يقدر على عباده الا الخير فهو الكريم وهو المتصرف في أمر السموات والأرض "يحيي ويميت وهو على كل شيء قدير" لذلك ليس أمام العبد الا الصبر وفي ذلك الخير.. كل الخير بل إن استقبال مواقف المرض والاصابات والوفيات والحوادث وكل أوجه المعاناة من مستلزمات هذه الحياة لا مفر منها لأي شخص مهما علا شأنه ويقف الانسان أمامها عاجزاً إلا من الدعاء وإلا من الاستعانة بكرم المولى الذي لا شك في عونه وكرمه.. قبل سنوات اراد الله لأحد أبناء مكةالمكرمة أن يلقى حتفه وهو يقطع الطريق في أحد الشوارع ونحن نحضر تشييعه سمعت أحد اقاربه يقول انه ترك عدداً من الأطفال وديوناً وأحوالاً لا يعلمها الا الله، كان الراحل يحاول القضاء عليها بعمله وان كان من الأعمال محدودة الدخل وجاء صوت آخر التفت اليه الناس وكان لأحد الحضور من أصحاب التجارب والخبرة في الحياة وهو يقول "ان الله أرحم بهم منه" وذكر حديث الرسول صلى الله عليه وسلم وهو يشير لامرأة تبحث عن طفلها بقوله "إن الله أرحم بعباده من هذه المرأة على طفلها"..أو كما جاء في الحديث .. فوجدت ان الناس استحسنوا ما قاله الرجل وهدأت نفوسهم وهم يثقون في أن أبناء الرجل تحت رحمة الله وهو المتصرف والخالق والمقدر.. وبعد سنوات ليست طويلة جاء من ينقل لي أمر تحسن أحوال الأسرة وسداد ديونهم وشراء منزل لهم من أحد المحسنين بل وجاء من يتقدم لابنتين من بنات الراحل يرحمه الله وأصبحت والدتهم التي خافت من الزمان بفقد رب الأسرة تعيش مطمئنة بين أبنائها دون ما حاجة لأن تمتد يدها لأحد من الناس.. إن الإيمان بالله يحتاج قدرة ويحتاج جهاداً ويحتاج ثقة مطلقة من العبد وفي المقابل فإن الصبر على تقلبات وظروف الأيام رحمة من الله وفضل على عباده الذين اختصهم بذلك والله خير حافظ وهو أرحم الراحمين..