شرع الله الصيام لفوائد جمة، وحكم عظيمة، ومصالح دنيوية وأخروية تتضاءل دونها أفكار الناس وأقلامهم، ورتب عليه جزيل الثواب وعظيم الجزاء. فالصوم أساساً وسيلة لتحقيق التقوى، لما فيه من قمع الهوى. فالامتناع عن اللذة المباحة يوصل للامتناع عن اللذة المحرمة. ومن يمتنع عن المأكل والمشرب مختاراً، يصبر على الجوع والعطش اضطراراً. ومن ينجح في دورة رمضان التدريبية يُغفر له ما تقدم من ذنبه، وأما الآخر فدعا عليه جبريل عليه السلام: رغم أنف امرئ أدرك رمضان فلم يغفر له. والصوم يعلم تزكية النفس ويقوي الصلة بالله والتماس الأعمال المفضية إلى رضاه وثوابه. كما يعلم العفة، ويُذكّر برقابة الله، ويدفع للإقبال على تنفيذ أوامره والابتعاد عن نواهيه. وهو يدرب على الصبر، فمن لم ينتصر على نفسه وشهواتها فهيهات أن ينتصر على غيره، ومن لم يصبر على جوع يوم فهيهات أن يصبر على فراق أهل ووطن من أجل هدف أكبر. والصيام وسيلة لبناء أواصر المساواة والتآخي والتضامن والتراحم بين أفراد المجتمع تحقيقا لمعنى الجسد الواحد. فالكل يجوعون ويعطشون معاً. فيحس الغني بما يعانيه الفقير من آلام الفقر والحرمان، فيرق قلبه، ويمد يد العون إلى المساكين، ومن فطّر صائما كان له مثل أجره، غير أنه لا ينقص من أجر الصائم شيئا. والصوم يعلمنا الدقة في تنظيم حياتنا، فالإمساك عن الطعام في الفجر والإفطار عند المغرب يضبطان ساعتنا، فلا تأخير ولا تقديم. ومن كان يسوّف أمر التوبة يأتي رمضان ليقول له: حان الوقت، فلا تفوّت الفرصة. ومن حِكمه أيضاً أن يعرّفنا بمقدار نعم الله علينا، لأن دوام النعم يقلل من الشعور بها، فيأتي الجوع والعطش في رمضان ليعرّفانا بقيمة الشبع والري. ومن هنا كان دعاء الصالحين: اللهم عرّفنا بنعمك بدوامها لا بزوالها. ومن الحكم الربانية أن جعل رمضان من الأشهر القمرية، ولو كان من الأشهر الشمسية لجاء في فصل محدد من الفصول الأربعة، ولصامت بلاد في الصيف دوماً وصام غيرها في الشتاء. لكن الأشهر القمرية جعلت رمضان يجوب الفصول الأربعة. فالسنة القمرية أقصر من الشمسية بمتوسط 11 يوماً، وفي كل ثلاث سنوات يتقدم رمضان شهراً واحداً في السنة الشمسية، وخلال ثلاثة وثلاثين عاماً يكون الناس - حيثما كانوا - قد صاموا كل أيام السنة الشمسية. ولما كان الفرق بين السنة الهجرية (القمرية) والسنة الميلادية (الشمسية) يقل باستمرار فهناك من حسب واستنتج أن يوم الثلاثاء 1 /5 /20874 سيستوي فيه الهجري والميلادي. أخيراً فكلماتي المختصرة لا توفي شهر الصوم أفضاله، وعظيم ثوابه، ورمضان كغيره من الأشهر لابد أن ينتهي، فمن حصّل فيه من الأعمال الصالحة، وسجّل في أيامه ولياليه من الطاعات والقربات فقد فاز، ومن داوم عليها بعده فذاك هو الرابح الناجح. كلية الهندسة، جامعة الملك عبد العزيز