الزاوية اليومية في صحيفة يومية هي لذلك الكاتب الذي يعرف كيف يتقمص شخص المواطن المكلوم ويعرض مشكلته بشفافية دون اللجوء إلى تضخيم المشكلة وتهويل الإجراءات بعيداً عن الهمز واللمز والتجريح وبصدق غيرة الكاتب ووضح الهدف. الزاوية اليومية هي في الحقيقة ملك للقارئ الذي هو في كل ما يعرضه في زاويته أما مشاعره وأمنياته فزاويته ليست مجالاً لعرضها وإلاّ فما معنى مقالة في زاوية يومية يقول صاحبها كم تمنيت أن أقبِّل رأس ذلك الشيخ الفلاني الذي أباح كذا وكذا في فتواه وأنا عندما كنت على ضفاف الأطلسي تذكرت أيامنا التي مضت مقيدون بفتاوى ظهر حلالها بعد تحريمها وآخر لا تخلو مقالة من مقالاته الا وينثر عليها إعجابه بمدينة "بيروت" واصفاً غيمها وظلها وأشجارها وبردها وثلجها ويضرب الأمثال عند كل لسعة حر تمر في بلادنا وكأن به يطلب من المسؤولين تغيير مناخ المملكة. أقول للأول لك يا أخي أن تقول ما شئت ولك أن تسطر مشاعرك بطريقتك وأن تترجم أمانيك متى أردت لكن ليس في زاوية هي من حق القارئ أكتبها إن شئت على ورق أبيض ساطع ومعطر وأجعل فيها رواية تتسابق على نشرها دور النشر وتقام لها الأمسيات في نوادي أدبية وتبين فيها تظلمك من فتاوى زمان ولك عليّ أنك ستظفر بجائزة يتم تسليمها لك على ضفاف الاطلسي ومعك رفاق الدرب وأما صاحب "بيروت" فقد عرفنا أنك تقضي اجازات الشتاء والصيف في بيروت ولك حق عشق هذه المدينة ولكن ليس لك حق أن تفرض عشقك على قارئ ينتظر منك ان تنقل شكواه ومعاناته الى من يهمه الأمر. الزاوية أمانة أما بيروت وضفاف الأطلسي لا تهم قارئ أنتم عيونه ونبضه وأحاسيسه. لم يعد يهم بعض الأخوة أصحاب القلم معاناة الآخرين بقدر ما يهمهم تلميع أنفسهم وتحقيق رغباتهم فالمواطن بحاجة لمن ينقل بإخلاص معاناته لعله يجد حلا لها بعد عرضها يرضيه ويريحه وليس بحاجة من يزخرف له سطور عن جمال مدينة وصفا سماء وروعة ثلج كما أنه ليس بحاجة إلى قراءة مشاعر كاتب وأمنياته كتبها حباً لمن وافق هواه.