أدركت علماء إذا زل لسان أحدهم فأخطأ في مسألة علمية شرعية، سواء أكان ذلك في حلقة درسه، أو كان في خطبة عامة يسمعها الناس، لا يهدأ له بال حتى ينبه الناس لما وقع فيه من خطأ ويعتذر عنه، ولا يرى في هذا غضاضة، ولا يرى أن الاعتراف بالخطأ يحط من قدره، بل هو موقن أن ذلك يرفع قدره عند الله وعند الناس، فغايته أن يبلغ الناس هدى جاء به هذا الدين الحنيف، ينتفعون به في حياتهم الدنيوية والأخروية، ويصلح من أحوالهم، ويقرب بينهم بالحق، حتى يتحابوا في الله، ويتعاونوا على البر والتقوى، ثم غابت هذه الفضيلة في عصرنا هذا عن بعض المنتسبين إلى العلم، فأصبح همهم أن يصروا على ما تعجلوا قوله واتضح لهم لا أقول إنه خطأ، بل وضح بما لا يدع مجالاً للشك أنه باطل، ومع ذلك فمنهم من يجهد نفسه في تبرير ما وقع فيه من خطأ، الذي نقل عنه بألفاظه ولم يتقوله أحد عليه، وأخذ يقول إنما أردت كذا ولم أرد كذا، وفي أحيان أخرى ينكر أنه قاله، والأمانة العلمية تقتضي أنه إذا علم يقيناً أن ما قاله خطأ أن يتراجع عنه وأن يعتذر عنه بكل تواضع، لا أن يواصل مواقف متعنتة في نصره لقوله وتبريره. والأشد غرابة أن يتحدث بعض هؤلاء في قضايا خطيرة كالردة والفسق والبدعة.. مما يترتب عليه الضرر الفادح بمن يتهم به من الأفراد أو الجماعات، وهو يدرك يقيناً ألا سند شرعي لما يقول، وأنه قد وقع في خطأ فادح له نتائج خطيرة، لكنه لا يتراجع عنه، بل يسعى لتبريره، ويدعو الآخرين لتأييده وتبريره، ويصدر عنه وعن أعوانه البيان تلو البيان. وما أكثر اليوم الفتاوى التي لم تبن على أساس شرعي، ولا يشهد لها دليل، وهي في تدفق مستمر لا ينقطع، ولا أحد ينبه من تصدر عنهم إلى ما يقعون فيه من أخطاء، ووجوب الاعتذار عنها، إن كان انتسابهم إلى العلم حقيقياً، فالرجوع إلى الحق فضيلة، والثبات على الباطل رذيلة، والعلم الحقيقي يحيي الفضائل وينشرها، وما انتشرت في مجتمع إلا وارتقت الحياة فيه، وما شاعت الرذائيل في مجتمع إلا وساءت الحياة فيه، فهل ندرك هذا، هو ما أرجوه والله ولي التوفيق. ص ب 35485 جدة 21488 فاكس 6407043