مما نعجب له هذه الأيام كثرة الكلام عن أن هناك استهدافاً للعلماء بالانتقاص، قصد ازاحتهم عن وظيفتهم في بيان الحق للناس، حينما ننتقد خطأ فادحاً وقع فيه منتسب للعلم، ولو كان انتسابه إليه زوراً، وقد علم القاصي والداني كثرة ما يقع فيه مثل هذا من أخطاء شنيعة، ويتجرأ على أن ينسبها الى الدين، ولا يهتز له طرف، وجلها فادح الاساءة الى الدين والدنيا معاً، وأمثلة ذلك كثيرة لا يحصيها الحصر، فهذا يدعو إلى هدم المسجد الحرام وإلغاء الاختلاط بين الرجال والنساء، وهذا مكفر لكل من رأى ان اجتماع الرجال والنساء في مكان واحد منه ما هو مباح لأنه جزم بأنه بذلك يستحل محرماً، بل ويتهم كل من له ابنة أو زوجة تعمل في مستشفى بأن فيه كما يزعم نوعاً من الدياثة، وهذا يفتي بقتل من أنشأوا قنوات فضائية غير دينية لأنه يرى أن كل ما تبثه يورث الفساد، وتتوالى من هذا اللون فتاوي كثيرة، اذا عرضتها على أدلة الشريعة ومقاصدها، وكنت مثلي ممن أمضى العمر يثني ركبه في حلقات الدرس بين أيدي العلماء، واضعف بصره عكوفه على مصادر العلم الشرعي متونه وشروحه، أساس علومه، وعلم الأداة المعينة على فهمها، فإنك ستعلم ان هذه الفتاوي قد جانبها الصواب، وأن ضررها بالغ بالمسلمين ولأدركت أن الرد عليها وبيان الصواب فيما أخطأ فيه من أفتى بها واجب، ولا يعني هجوماً على العلماء ولا تتبعًا لزلاتهم، أو انتقاصاً لهم أو عدم احترام لمكانتهم، كما يشاع اليوم ويروج عبر المنابر وفي الدروس والرسائل عبر البريد، وفي مواقع الانترنت، فليس في الرد على من أخطأ شيء من ذلك أبداً، فكل يؤخذ من رأيه ويترك إلا سيدي رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - الذي لا ينطق عن الهوى، فلا عصمة لأحد من العلماء مهما كان علمه ومكانته، فهو بشر يقع منه الخطأ كما يقع الصواب، وقد مضى بمثلي العمر، وقد عرف من العلماء من لا يحصيهم الحصر، ورأى في جلهم التواضع الذي يوجبه ما حملته صدورهم من العلم، لا يرون ان كل ما قالوه حق يجب اتباعه، بل يرون انه اجتهاد منهم إن أصابوا فيه فبفضل الله وهو الذي هداهم إليه، وإن اخطؤوا فيه نسبوه الى انفسهم، ورأيت في هذه الايام من بعض المنتسبين الى العلم حقيقة أو زوراً الإصرار على أن كل ما يقولونه هو الحق، وأن سواه الباطل، والذي يرد على ما أخطؤوا فيه وان كان عالما إنما هو معتد على العلماء يطعن فيهم وينتقصهم، وكثير من هذا نسمعه كل يوم، كما ان اسماعنا يؤذيها فتوى لا يسندها دليل، ونرى أنه لابد من مواجهة هذا صونا للدين والدنيا، فهلا كف هؤلاء الذين يطلقون أقوالاً تؤول الى الحكم بعصمة كل منتسب للعلم من أهل هذه البلاد يتفق معه في الرأي، هو ما نرجو والله ولي التوفيق. ص.ب 35485 جدة 21488 فاكس 6407043