الاختلاف السائغ بين أهل العلم، المعتمد على الأدلة الشرعية، المستنبط منها الحكم الشرعي، أمر يحدث منذ أن وجد عالم بأحكام هذا الدين بعد سيدي رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - مستنبطاً لها من أدلة الشرع الاصلية والفرعية المتفق على انها أدلة، او حتى تلك المختلف عليها، وما نجده اليوم في هذه الثروة الباذخة في العلوم المنتمية إلى الاسلام، عبر انتماء من انتجوها وابدعوها يؤكد وجود هذا الاختلاف وأنه مقبول، فهذه كتبنا نردد فيها النظر ونجد فيها هذا الاختلاف واضحاً جلياً، وأما ان يحمل هذا الاختلاف احكاماً على المختلف معه على مسألة بانتقاص ذميم، كنسبته إلى الجهل، أو الادعاء أنه الاقل علماً أو أدنى، أو الدخول إلى المنطقة الخطرة للبحث عن ما يخفيه في صدره من غايات، يزعم مخالفه أنها هي التي دعته لهذا الاختلاف، وحين يكون الاختلاف على هذه الصورة ينتج ولا شك صراع حاد، يؤدي حتماً إلى التقاطع والتدابر، بل لعله ينجو بمن يفتعله نحو العنف، وقد مر عبر تاريخنا فترات نجم فيها الاختلاف عن مثل هذا، يستطيع كل قارئ لتاريخ العلم في الاسلام ان يستقرأها ويطلع عليها، فصراع المتعصبين للمذاهب الفقهية شافعية وحنابلة، وشافعية وحنفية، أدى إلى شيء من هذا العنف في فترات طغى فيها الانتصار للمذهب، ومحاولة فرض رأي واحد، وإقصاء كل رأي سواه ، والاعتذار عن مثل هذا إذا وقع بين منتسبين إلى العلم ، فاحتقر أحدهم الآخر، وسفه رأيه، أو اعتبره من قليلي العلم أو المبتدئين فيه، فإن هذا الاعتذار ولا شك سلوك حميد، وعود إلى الحق مطلوب، على ان يلتزم به من اعتذر بعد ذلك،فلا تأتي مسألة اختلاف جديدة تستثيره ،فيطلق لسانه بما أطلقه أولا ، فمناقشة الافكار والآراء مهمة جداً، ولكن انتقاص اصحابها، واتهام علمهم أو دينهم أمر يجب تجنبه، لأنه يفارق منهج الحوار المبني على آداب متفق عليها، ولكني أرى ان الاولى بالاعتذار، والاقلاع عنه، هو ان يتهم المخالف من قبل مخالفه، سواء أكانت المسألة فرعية - أم عقدية، ما دام مرجع الاختلاف فهماً للنص مقبولاً، وما دامت الآراء المختلف عليها سائدة عند السلف والخلف ، تحفل بها مصادرنا العلمية واتباعها في الأمة لا يحصيهم العد، اقول:ان يتهم المخالف فيوجه اليه الذم والانتقاص، وهو علم من اعلامها، بتهم تبلغ حد التضليل والتبديع والتفسيق، وتتصاعد الى الحد الذي يبلغ التفكير والتشريك، وتكون احياناً في شكل حملات مدروسة، قد يظن انه انما يراد بها اغتيال شخصية العالم المخالف معنوياً ولا يبعد أن يكون ايضاً جسدياً، خاصة عند تكاثر من يلتقطون التهم ويروجونها لدى الأغرار من الصبية الذين يمكن التأثير عليهم بسهولة، ثم يندب لذلك منتسب للعلم فيكتب في ذلك كتاباً، ينشر بلا تصريح رسمي،و يطبع منه مئات الالوف توزع مجاناً ، وتشرق وتغرب وتبلغ الآفاق، ثم يمنع من اتهمه صاحب الكتاب بالعظائم بالرد عليه، ثم تتاح الفرصة لمن ألف هذ االكتاب ان يتراجع عن هذا ويعتذر عنه فلا يفعل، ويصر على ما فعل، حتى بعد ان توفى من اعتبره له خصماً، واختلف معه، وهو على يقين انه لم تتح لخصمه ان يرد عليه أو يناظره في ما طرح من كل هذه التهم الخطيرة المؤذية، وهو حتماً يعلم ان هذا الاسلوب لا يؤدي الى خير ابداً، فما رجع إلى حق أحد بهذا الاسلوب، ان ظن المتهم انه على حق ومخالفه على باطل، وها هم علماء افذاذ في الأمة من كل المذاهب والطوائف تعرضوا للمحن في سبيل أن يعودوا عن آرائهم واجتهاداتهم فثبتوا ولم يغيروا، واذا كان من أوذي بهذه التهم قد ثبت - رحمه الله - على موقفه حتى لقي ربه، وشهدنا جميعاً يوم رحيله المشهود، الذي دل بوضوح على محبة الخلق له، والتي نظن انها نتيجة محبة الله له، حيث زرع الله له محبة في قلوب الخلق، والخلق شهود الله في ارضه، ونحن حينما نعرض هذا فإنما نقصد النصيحة، فهي الدين لمن اراد الدعوة إلى الله، فكل دعوة إليه بغير الحكمة والموعظة الحسنة ضررها واقع ونفعها مغيب، فكيف اذا كان مدعيها يخطئ في ما يدعو اليه الاخطاء الفادحة، بل قد يأتي بالعجائب في ما توهم انه حق، وهو كثير في ما عرف في زماننا بالردود الدينية والمتفلتة من كل قيد للبحث في العلوم الاسلامية الدينية المتفق عليها، لا يعترف باصول فيه، أو قواعد، ويكاد أن يعمها هذا الاسلوب المتهم للمخالف بالضلال والفسق والبدعة والمنكر، ثم الصعود إلى مرحلة يكون فيها تكفير المعين وادعاء شركه من اسهل ما يكون على الالسنة والاقلام، واذا كانت النصيحة واجبة، فالتجاوب معها أوجب، فهل ادركنا هذا وسعينا إلى التآلف في ظله وإن اختلفنا، فهو ما أرجو والله ولي التوفيق. ص ب 35485 جدة 21488 فاكس 6407043 [email protected]