كان في ذلك الزمان تأخذك قدماك. او على ظهر عربة «كارو» زينت بأشكال من الزخرفة والستائر لمنع العيون المتطفلة تجرها دابة حمار أو حصان .. الى خارج «المدينة» فتتجاوز باب الشامي أو باب العوالي.. أو باب قباء لتصافحك بساتينها الوارفة الظلال ونخيلها التي تشق عنان السماء. بأشجار «النبق» الضخمة بنسائم الفل.وعبق الورد. ورائحة «البرسيم» فتدخل إلى أزقتها المنحنية بكل حذر لضيقها .. وانت اكثر سعادة فيلمحك ذلك الفلاح الذي تشققت اقدامه وتفلحت كفاه.. فيسارع إليك هاشاً باشاً.. مرحباً. لقد كانت تلك الضواحي أو «القرى» البسيطة ببيوتها الطينية.. وبجلوس أهلها امام ابوابها في العصاري حتى غروب الشمس.. هادئة تنام قريرة العين مطمئنة النفس لا يعكر صفو حياتها شيء.. من هذه التي دخلت حياتنا بما تنقله على شاشاتها من حروب.. ودمار.. وضياع امم.. تلك الضواحي الهادئة أو «القرى» الصغيرة والتي تحيطها تلك «البساتين» بكل ثمارها لم تعد الآن فقد زحف عليها العمران فتحولت تلك «الجنان» الى كتل من الاسمنت فغيّب فيها كل شيء جميل. ذات يوم كان صديقي يسألني ونحن نسير سوياً امام بستان «الهرمية» اين تلك «الجنان» وكيف «اندثرت» واين مضى اصحابها؟ .. قلت لقد غيّب اكثرهم «الموت» وآخرون غيبهم الزمن بجحوده فغابت تلك «الجنان».لقد تحولت تلك – الضواحي – الخضراء إلى شيء آخر لقد تداخلت مع عجلة الحياة «المدينة» ففقدت براءتها.. والتوى عنها الزمن وغدت أثراً بعد عين وبذلك فقدت المدينة وفقد اهلها تلك «الرئة» التي كانت تشعرهم.. بجمال الحياة.. فلم تعد النسائم العليلة بل لقد ضاع ذلك الصوت المنغم الذي كان ينطلق من – مكنة – البستان.. وكأنه احسن لحن.. لأمهر عازف.