يحرص ديننا الحنيف على أن يكون المجتمع الإسلامي فاضلاً ينعم أفراده فيه بأواصر المحبة ، وترتبط لبناته حتى تغدو قوية متماسكة كالجسد الواحد القوي الذي لا تقهره الحوادث ولا تغلبه النوائب ، وما أجمل الحياة عندما تزدان بالأخوة الصادقة التي لا يستغني عنها أي إنسان ، والتي غدت في يومنا الحالي أسماء لصفات يُجْهَلْ معنى حقيقتها في حياة البقاء فيها محال ، فكم هو مؤلم أن تعيش وسط إخاء علاقته مبنية على الكذب والخداع والمظاهر الزائفة التي تزيد العناء ، رغم أن ماضي آبائنا كان يقوم على الأخوة الصادقة ، فالعلاقة الأخوية علاقة جميلة ورائعة ، وخاصةً عندما يكتنفها حُبٌ طاهر وودٌ عميق وتفاهمْ متبادل بين الأخوان ، وهي من أقوى الروابط التي لا تنفك حتى لو تباعد الإخوة عن بعضهم البعض ، وفرقتهم الظروف ، فالعائلة في السابق "الأب والعِمانْ والعَماتْ والأبْنَاءْ وزوْجَاتهم وأبْنَائِهمْ" كان يحتضنهم بيت واحد ، والأخوان شركاء في كل مطالب الحياة ، وليس هنالك ما يعكر صفوه الأيام ، فالكبير والصغير كلاهما مكملان بعضهما البعض ، فالأخوة بلسم الحياة ، وغذاء الروح ، وقوت النفس ، بها تسمو النفوس ، وتعلوا الروح ، وتستوي الحياة ، فأخي هو ذاك الصدر الذي ضمّني في وقت المحن ، وهو ذاك الدواء الذي عالجني عند الألم ، وهو ذاك الدم الذي يجري في روحي عند اليأس والندم ، وهو ذاك القلب الذي مدّني بالحنان وأبعد عنّي السقم ، فالعلاقات بين الأخوة تختلف فأحياناً تكون مترابطة قوية يتوفر فيها الانسجام والتفاهم ، وأحياناً أخرى يشوبها شعور بالغيرة فينتج عنه تراخي في الترابط القوي الذي يؤدي إلى ضعف العلاقة الأخوية ، وما نراه اليوم من تفكك أخوي عَم معظم الأسر يجعل العين تبكي على رحيل الرعيل الأول من الآباء والأعمام الذي أحمد الله أنه لم يرى هذا الزمان الذي ماتت فيه الأخوة الصادقة لأسباب تافهة تدور كلها حول فتات الزمان الزائل الذي لن يأخذ منه أحد شيء عندما يغادر دنيا الفناء ، فحريٌّ بنا أن نقف برهةً من الوقت مع أنفسنا ، ونرى أين سارت بنا ركبان الأخوّة مع انطواء الأيام ، ونسترجع الذكريات وكيف طوتها يد الأيّام ، وأن لا نزرع هذه الصفة في نفوس أبنائنا وهم يرونا بعداء عن بعضنا البعض ، والبغضاء تشحن نفوسنا من أجل فُتاتْ زائل . شعر : وليس أخي من ودني بلسانه ولكن أخي من ودني في النوائب ومن ماله مالي إذا كنت معدماً ومالي له إن عض دهر بغارب فلا تحمدن عند الرخاء مؤاخياً فقد تنكر الإخوان عند المصائب وما هو إلا كيف أنت ومرحباً وبالبيض راوغ كروغ الثعالب همسه : الأخوة الصادقة كالقمر عندما يكون بدراً. ومن أصدق من الله قيلاً { وَاجْعَل لِّي وَزِيراً مِّنْ * هَارُونَ أَخِي * اشْدُدْ بِهِ أَزْرِي * وَأَشْرِكْهُ فِي أَمْرِي *كَيْ نُسَبِّحَكَ كَثِيراً *وَنَذْكُرَكَ كَثِيراً * إِنَّكَ كُنتَ بِنَا بَصِيراً }.