في مسيرة حياة كل منا محطات ومواقف , يتعرف من خلالها على أناس جدد ويكون علاقات كثيرة. منها ما يستمر ومنها ما ينقطع ومنها ما يبقى متأرجحا بين هذا وذاك. وهناك أيضا علاقات تكونت بفعل الروابط الأسرية والاجتماعية كالعلاقة بالوالدين والأرحام والجيران و الخ. وكثيرا ما نسمع ونشاهد في مساجدنا ووسائل الإعلام والمجالس تأكيد على حقوق الوالدين والأرحام والجيران والأصدقاء وأهميتها لدرجة التشبع. وهنا لا أعارض هذا ولكني أؤيده وبشدة, ولكن وسط هذا الزحام من العلاقات هناك علاقات منسية لا نسمعها في مسجد ولا وسيلة إعلامية ولا مجلس. ولعل من أهم هذه العلاقات المنسية علاقتان : علاقة الأخ بأخته , وعلاقة الأخ الأكبر بأخيه الأصغر. الأخت هي تلك الشمعة الدافئة والقلب الحنون الذي يزين البيت ويضيئه. وهي ذلك المخلوق الضعيف الممتلئ بالمشاعر الأخوية , فبرغم كل شي يقال لها وبرغم كل أخطاء ترتكب بحقها تبقى صامتة وسريعة التسامح لجميع إخوانها. لعل الكثير منا تأخذه مشاغل الحياة والعلاقات مع الناس وينسى أخته ابنة أبيه وأمه ومن يقضي معها ثلثي عمره في بيت واحد. فكل منا يسأل نفسه متى آخر مرة ضحك معها أو أهدها هدية أو جلس معها للحديث الأخوي وسألها عن حياتها واحتياجاتها وأمورها الخاصة. لا أبالغ كثيرا إذا قلت أنها مجرد شبح يتحرك في البيت ويخدم الإخوان المتعجرفين , وبرغم ذلك كله لا تسلم من التعليقات والانتقادات الجارحة. وهناك أيضا الأخوات المتزوجات وهنا المصيبة أكبر ولعل المثل القائل البعيد عن العين بعيد عن القلب قد انطبق في حالتهن. أتمنى أن نقف مع أنفسنا للحظات ونتذكر أخواتنا اللاتي يرين فينا السند والعون والملجأ بعد الله في نوائب الدهر. وهن برغم ذلك لا يطلبن الكثير, فربما اتصال للسؤال عن حالهن والتحدث معهن بعاطفة الأخوة جعلهن يقضين فترات طويلة وهن سعيدات ويدعين الله لإخوانهن بالحفظ من كل مكروه والسعادة في الحياة. ولربما رسالة أخوية أوقدت في قلوبهن شمعة المحبة وأشبعت عاطفة الأخوة. و لربما هدية متواضعة أصبحت لديهن رمزا للشعور بالأمان بأن هناك أخ محب لم يغبن عن باله. أتمنى أن نبادر بإصلاح العلاقة معهن وتقويتها إن كانت صالحة لكي لا تكون علاقة منسية. الأخ الأصغر : شخص حمل هذا الاسم ليصبح شماعة لكل مشكلة, و ميدان لتأديب كل من هب ودب من إخوانه, و مجالا لكيل الاتهامات في كل خطأ, ومتسعا للتنفيس عن كل غاضب , و وعاء يسكب فيه عبارات الامتهان والتحقير . والتفسير أنه مدلل ولم يترب التربية الصحيحة , بل والأدهى من ذلك : هو اعتباره خادم في البيت واحتياجات من هم اكبر سنا منه إنما هي أوامر لا تقبل النقاش. لعلنا لا نرى في هذه الأيام من هو صديق لأخيه الأصغر يرتاح إليه ارتياح المحب , وينبسط إليه انبساط الصديق. ولعل من أسباب انحراف الإخوان بمرافقة أصدقاء السوء ووقوعهم بالمشاكل هو نقص الإشباع العاطفي لهم من قبل إخوانهم ممن هم اكبر سنا منهم . وكذلك عدم الجلوس معهم جلسة الأخ المحب الصديق والغير متشنج وملاطفتهم وتفهم احتياجاتهم وهمومهم. فبالله عليكم لو بحث كل منا في صندوق رسائله المرسلة , هل سيجد رسالة رقيقة وأخوية لأخيه الأصغر. إن كان كذلك فالحمد لله وليحرص على الاهتمام أكثر وليطور هذه العلاقة. وان لم يجد فليتفقد حاله مع أخيه الأصغر وليلتفت للأمور الأخرى وليحاول أن يعيد هذه العلاقة المنسية. همسة : الناجح في علاقاته الإنسانية هو من نجح بها مع الأقربين قبل الآخرين. ناجي بن مساعد