جلس صبي بائس هزيل الجسم في أحد أركان محطات مترو الأنفاق القديمة يحتمي من شدة البرد، وبيده مجموعة من المراسم (أقلام الرصاص) وهو يأمل أن يبيعها ليجد من ورائها ما يدفع عنه شدة الجوع والبرد .. ولكن بضع (مراسم) فمن يحرص على شرائها .. ربما طفل أو طفلان .. وربما سيدة مسنة ترأف بحاله وتشتري منه .. وهكذا جلس يمنِّي نفسه بأماني محدودة وليست طموحة فهو فقط يريد من يومه بطوله وعرضه بضع (بنسات) ليدفع بها كابوس الجوع وقسوة الشتاء عن جسمه الصغير النحيل. وذات يوم وإذا هو على ذلك الحال إذ مر به أحد رجال الأعمال فوضع جنيهاً في كيسه وأراد أن يستقل المترو .. وفي عجلة وبسرعة استدار هذا الرجل ورجع قبل أن يستقل المترو إلى ذلك الطفل وتناول بعض أقلام الرصاص من التي يبيعها ذلك الطفل وقال للطفل بلهجة يغلب عليها الاعتذار (آه ..لقد نسيت أن أخذ الأقلام التي اشتريتها.. عظيم فأنت رجل أعمال مثلي .. ولديك بضاعة تبيعها .. وبأسعار مناسبة للغاية) ثم تركه وبسرعة غاب المترو والرجل بينما جلس ذلك الصبي شارداً يردد كلام الرجل وهو يغالب الجوع والبرد .. (عظيم .. إنك رجل أعمال مثلي .. ولديك بضاعة تبيعها .. وبأسعار مناسبة للغاية). ومرت سنوات على تلك القصة وفي إحدى المناسبات الاجتماعية الكبيرة لرجال الأعمال تقدَّم شاب أنيق نحو رجل أعمال وقدَّم نفسه له قائلاً: أظنك يا سيدي لا تذكرني, لكني أذكرك ولكن لا أعرف اسمك .. ومع ذلك فلن أنساك ما حييت .. إنك أنت الرجل الذي غرس الثقة والطموح في نفسي وأوقد فيَّ الرغبة لأن أكون رجل أعمال حقيقة .. فقد عملت من وقتها بجد وصبر .. وتغير طموحي من فقير (شحاذ) ينتظر من يعطينا شلناً أو حتى بنساً أو أجد زبوناً يشتري مني المراسم والتي لا يُسمن عائدها ولا يغني من جوع إنى اجتهدت في جمع وادخار حصيلة ما أبيع حتى تجمع عندي مبلغ وصرت أدير عملاً أكبر من المراسم ثم أكبر .. ثم أكبر .. وهكذا .. وها أنا الآن رجل أعمال مثلك تماماً .. فشكراً لك يا سيدي .. عزيزي القارئ: لاشك أن الطموح والصبر عاملان مهمان في حياة الإنسان، فهل نعلَّم أبناءنا وأجيالنا أن الاستعانة بالله، ثم الطموح والصبر مع الأخذ بالأسباب، هي من أكبر عوامل النجاح لتحقيق الآمال وبلوغها؟