على رغم أن لكل وظيفة وقتاً محدداً لانتهاء ساعات العمل فيها، إلا أن الدور القضائية في مشعر عرفات لا تعرف نهاية لدوام، إذ تتراكم داخل خيمة القاضي ملفات ثقيلة من الأعمال المتلاحقة، إلى جانب إكمال نسكه، وإصدار الأحكام الشرعية بحق المخالفين في المشاعر الذين يرتكبون قضايا مخلة بالأنظمة والقوانين أثناء أدائهم للفريضة. وتتناثر دفاتر الضبط والأختام الخاصة وأدوات الضبط والأقلام وغيرها من المعينات لصيغة الأحكام القضائية وكتابتها وتدوينها في الخيمة المخصصة للقاضي بجوار مسجد نمرة في جبل الرحمة، إذ تعود بك الذاكرة إلى أماكن التقاضي خلال عقود مضت، حينما لم تكن الإمكانات متوافرة كما الوقت الحالي. ويقول القاضي في الدائرة السابعة في عرفات محمد بن علي بن هديان إنه لا يعترف بوقت محدد لأداء العمل، وإنما يعمل طوال ال24 ساعة يومياً خلال الحج، مفيداً أنه يستيقظ مرات عدة من النوم في وقت متأخر من الليل لمباشرة إحدى القضايا ونظرها شرعاً. وأضاف: «أستيقظ عادة قبل صلاة الفجر وأؤدي الصلاة، ومن ثم أبدأ في تجهيز طاقمي القضائي من كتاب الضبط وغيرهم استعداداً لبدء العمل اليومي في استقبال القضايا»، مشيراً إلى أن العمل يختلف من دائرة إلى أخرى بحسب موقعها من المشاعر. وحول عمله اليومي الذي يقوم به إلى جانب عمله القضائي، أوضح الهديان أنه يجلس يذكر الله ويتضرع إليه بين جلسة وأخرى بحسب كثافة القضايا التي تصل إليه، إضافة إلى قراءة القرآن الكريم وإكمال أداء نسك الحج في المشاعر حتى الانتهاء من مهمته. وتختلف يوميات القاضي في المشاعر المقدسة، بحسب الموقع الذي تتواجد فيه الدائرة القضائية، باختلاف القضايا التي تصله، إذ يبدأ تسجيل القضايا من يوم التروية حتى انتهاء أيام التشريق ومغادرتهم مكةالمكرمة إلى بلدانهم، كما تختلف الأدوات التي يستخدمها القاضي في مشعر عرفات عن المتوافرة في المحاكم الشرعية المستخدمة حالياً، إذ لا توجد طاولات أو كراس وإنما يعتمد في الجلوس على بساط من «الزل» وفتح دفاتر الضبط على الأرض، وتبدأ المحاكم بجلوس المتهم ووقوف رجل الأمن خلفه حتى يتم النطق بالحكم الشرعي. ووقفت «الحياة» على أحداث محاكمات في قضايا اعتداءات نشبت بين حجاج من جنسيات مختلفة، إضافة إلى قضايا سرقات ونشل وغيرها. يذكر أن القضاء من أهم الوسائل في الإسلام لتحقيق العدالة بين الناس، ويعرف بأنه الفصل الملزم بين الناس في الخصومات قطعاً للتنازع ويكون بالأدلة الشرعية، وله مكان معين كان المسجد في صدر الإسلام ثم انتقل لما يعرف بدار القضاء، والقاعدة العامة في الفقه الإسلامي «تخصيص زمان ومكان الخصومة» ما يعرف الآن بالاختصاص القيمي والنوعي والمكاني، ولم يعرف القضاء قديماً نظام الاستئناف أو النقض. ويشترط على القاضي أن يتجنب القضاء في 10 مواضع (هي عند الغضب، الجوع، العطش، شدة الحزن، شدة الفرح، وعند المرض، ومدافعة الأخبثين، وغلبة النعاس، وشدة الحر والبرد، وعند السهر والأرق).