عندما يكون الحديث عن الفساد يبرز الكثير من الأسئلة أمام حجم القضية وأبعادها وأسبابها وأماكن وجودها.. وتتوزع الاتهامات من خلال الشواهد، أو بأثر رجعي.. وتتشعب مقترحات الحلول نحو خطوات المستقبل بحثًا عن أساليب المعالجة. وفي عز الحديث لا يغيب حرص خادم الحرمين وإصراره على محاربة الفساد. وهو دور حازم يدفع بالقضية إلى المواجهة الحقيقية مع المسؤولية والأمانة وإيقاظ الضمير لدى كل الموظفين صغارًا وكبارًا لمحاربة الفساد. وهنا لا بد من الإشارة إلى أنه ليس الملك وحده أو أركان القيادة مطالبين بالقضاء على الفساد من خلال مراقبة كل صغيرة وكبيرة في الوزارات وفروعها، وذلك لكبر حجم المهام التي يتحملونها لإدارة شؤون الدولة، ما لم يكن هناك صحوة حقيقية داخل ضمير كل من ينتمي إلى العمل الحكومي.. وما لم يكن هناك ثقافة وظيفية لكيفية التعامل مع المال العام.. وما لم تكن هناك آليات جديدة للنظام المالي وتحديد مصير النفقات. وهو ما يتطلب إنشاء هيئة مستقلة مِمَّن تثق فيهم الدولة، وتكون تحت مسمى “لجنة مراقبة النفقات والمشروعات الحكومية” وتكون مرجعيتها للملك وولي العهد والنائب الثاني. وأن يتم وضع هيكلة إدارية لهذه اللجنة وفتح فروع لها في المناطق الرئيسية، على أن تنحصر مهامها الأساسية وتتلخص في التالي: أن يتم تزويد المقر الرئيسي للجنة بنسخة من الميزانية المعتمدة لكل وزارة، والمبالغ المعتمدة لكل مشروع، ومن ثم يقوم المركز الرئيسي بتوزيع ما يخص كل منطقة من هذه الميزانية على فروع اللجنة في المناطق ليقوم منسوبوها بالمتابعة، وفحص العقود والتأكد من حجم النفقات ومتابعة التنفيذ.. والاستفادة من ملاحظات المجالس البلدية التي تم تقييد عملها بمرجعية رؤساء البلديات، على أن تقوم هذه اللجان برفع تقاريرها بصفة دورية إلى المركز الرئيسي الذي يقوم بدوره برفع التقارير مدعومة بالملاحظات إلى الديوان الملكي. في حين تكون لجنة المراقبة المالية ذات استقلالية تامة عن اللجان المماثلة والقديمة، حيث يتم صياغة نظام جديد يتفق مع الهدف من إنشائها.. وأن تكون ذات صلاحية مدعومة من قبل الجهات الأمنية عند التفتيش على السجلات والمشاريع واستدعاء الموظفين والتحقيق معهم. وبالتالي فإن مثل هذا التنظيم لدور رقابي فاعل على النفقات الحكومية وإن لم يرق للمنتفعين خارج مسيرات الرواتب والمميزات؛ إلا أنه سوف يدفع بالشرفاء إلى ممارسة أكثر عطاءً وإنتاجًا، بل ويجعلهم أكثر تعاونًا مع اللجان المختصة بمحاربة الفساد.