جَلسَتْ ذات صباح مع زوجها لتناول فنجان الشاي من شرفة بيتها الزجاجية المطلة على الحديقة والتي تفصلها بضع أمتار عن منزل جارتها التي اعتادت هي الأخرى كل صباح أن تنشر الغسيل على الحبل من شرفتها في هذه المنطقة الريفية الجميلة التي يتميز بها الريف الأوروبي لاسيما في فصل الربيع. في أثناء ذلك قالت الزوجة لزوجها :أنظر يبدو أن جارتنا لا تعلم كيف تغسل الملابس جيدا .. لقد نشرتها على الحبل لكنها تبدو ليست نظيفة بالقدر الكافي ! لقد كان عليها التأكد من نظافة الغسيل قبل نشره على الحبل .. لقد ضاع مجهودها وكأنها لم تعمل شيئاً .. لماذا هذه العجالة .. ربما هي بحاجة لأن اكلمها في ذلك وأعلمها طريقة الغسيل حتى تحصل على ملابس نظيفة وناصعة بالقدر الكافي كل مرة !ومضت الزوجة في ثرثرتها:أنا لا أحب ذلك ولا أحب أن أرى عملاً ناقصاً .. فطالما تعودت منذ صغري أن أتولى غسل ملابسي ونشرها .. فأمي لم تكن تغسل الملابس جميعها في الغسالة بحجة أنها تتلف بعض أنسجة الملبوسات الحساسة لاسيما الكتانية والشتوية الثقيلة .. كما أنني تعودت أن يكون غسيلنا نظيفا وناصعاً ..ألا توافقني في ذلك ..ترى لماذا يحدث ذلك كل مرة منها ؟ وواصلت حديثها المطول بينما زوجها ينظر إليه في صمت .. وتوالت الأيام والزوجة على حالها وكذلك الزوج وأيضا غسيل جارتها في كل يوم ينشر على الحبل .. إلى أن قالت الزوجة لزوجها ذات يوم :يا له من يوم رائع إنني أراك اليوم أكثر وضوحاً وصفاءً عما كنت عليه بالأمس بل وقبل ايام .. ثم نظرت للغسيل فقالت لزوجها أنظر .. يا إلهي لقد تعلمت جارتنا أخيراً غسل الملابس بالطريقة الصحيحة .. أنظر كم هو نظيف .. ترى من علَّمها ذلك أجبني يا زوجي ؟! عندها قال لها الزوج بهدوء: لقد استيقظتُ مبكراً فقمت بتنظيف عدسات نظارتك وكذلك تنظيف زجاج الشرفة فزال الضباب عنها وعن عدساتك.. لقد علمني صديقي الذي أهداني هذه القصة أن علينا أن لا نحكم على الناس والأشياء التي نصادفها ونشاهدها في حياتنا اليومية بالصورة الضبابية المستعجلة إذ ربما يكون وراء الضباب جلاء وصفاء.