منذ أيام فقد الوسط الأدبي والثقافي علماً من أعلام العرب والأدب وأحد أعلام المؤرخين المعاصرين في بلادنا أمثال علامة الجزيرة الشيخ حمد الجاسر، والأديب والمؤرخ الأستاذ عبد القدوس الانصارى رحمهما الله والاديب الاستاذ عبد الله بن خميس مد الله في عمره، وأعني بالمؤرخ الذي فقدناه منذ أيام الاستاذ الفاضل عاتق بن غيث البلادي الذي رحل بصمت بعد حياة حافلة في مجال الخدمة العسكرية الى ان تقاعد وتفرغ للبحث والتأليف والنشر في مجال اهتماماته في التاريخ ومعالم الجزيرة العربية والأنساب والرحلات التي كان يتجشم متاعبها في سبيل الوقوف على طبيعة المواضع والمعالم التي يعد الابحاث والمؤلفات عنها، وقد اثرى المكتبة العربية بالعشرات من المؤلفات القيمة، وقد اطلعت على بعضها بكل تقدير وإعجاب وأذكر منها كتاب "الرحلة النجدية" وكتاب " معالم مكة التاريخية والأثرية" وإلى جانب ما أنجزه من مؤلفات متميزة في أسلوبها ومضامينها، فقد كان يتواصل مع المجلات الثقافية بأبحاثه التاريخية والجغرافية، وملاحظاته على بعض مايصدر من مؤلفات في هذه الموضوعات، ومن تلك المجلات مجلة "المنهل" في عهد مؤسسها الاستاذ عبد القدوس الأنصاري، ومجلة "العرب" في عهد مؤسسها الشيخ حمد الجاسر رحمهما الله. وكذلك الكتابة في بعض الصحف اليومية. واهتمامات البلادي بالتاريخ ومعالم الجزيرة العربية والأنساب تقارب اهتمامات الشيخ حمد الجاسر رحمه الله. وفي احدى السنوات الماضية من حياة الشيخ حمد الجاسر دعته جامعة الملك عبد العزيز بجدة لإلقاء محاضرة في الجامعة عن " تاريخ جدة" وقد حضرت تلك المحاضرة لأهميتها ولمكانة المحاضر العلمية والادبية وحسبه انه كان من اعضاء مجمع اللغة العربية بالقاهرة "مجمع الخالدين" . وبعد انتهاء المحاضرة المشار إليها فتح المجال للحضور لتوجيه الاسئلة المكتوبة الموجهة للمحاضر الشيخ حمد الجاسر فكتبت سؤالاً استطلع فيه وجهة نظره عما يكتبه وينشره الاستاذ البلادي من أبحاث ومؤلفات في نفس المجالات التي يعتني بها الشيخ حمد نفسه فكان رده جميلاً ويعبر عن شعور نبيل ، ويدل على أنه يحمل الود والتقدير لجهود الاستاذ البلادي في مجال الاهتمام بالتراث والبحث والتحقيق والتصحيح، وهكذا هي أخلاقيات الكبار. لقد شعرت بالآسى لفقد الاستاذ عاتق بن غيث البلادي كواحد من أعلام المؤرخين المعاصرين في بلادنا. ويستفاد من سيرته الذاتية أنه كان عصامياً في تكوين شخصيته وممارسة حياته الاجتماعية والعلمية والادبية حيث شق طريقه في الحياة بكل عزم وتصميم وبجهوده الذاتية حصل على ما حصل عليه من التعليم والثقافة الموسوعية في المجالات التي تخصص فيها حتى وصل إلى المكانة المرموقة التي وصل اليها بين الباحثين والمؤرخين ، وآثاره الأدبية تدل على مدى ما بذله من الجهد والعطاء في مجال البحث والتحقيق والتأليف والنشر. وكما كرس حياته لخدمة العلم والأدب بصمت بعيداً عن الأضواء فقد رحل بصمت، ولكن تجسدت مكانته الوطنية والادبية في مبادرة وزارة الثقافة والإعلام بنعيه في حينه في مساحة نصف صفحة في أحدى الصحف المحلية. فرحم الله فقيد العلم والادب الاستاذ عاتق بن غيث البلادي وأثابه على مابذله في خدمة الدين والوطن، والعلم والادب، وستظل ذكراه الطيبة ماثلة في ماخلفه من الآثار الادبية القيمة المفيدة . والله ولي الصالحين.