مهنة الطب صارت اليوم صناعة يتاجر فيها دهاقنة "العولمة" ورجال المال والاقتصاد والاعمال، فصارت - بكل أسف - ملعبة لأصحاب النفوذ والجاه والسلطان. وصار المرضى عملاء تمارس عليهم أحدث نظريات التسوق والدعاية والاعلان حتى وصل الحال ببعض المرضى المثقفين أو المتعلمين لتلقي المعلومات الطبية من خلال مواقع الشبكة العالمية للمعلومات "الانترنت" التي لا يعلمون شيئاً عن مصداقيتها، بل ان بعضهم يطلب "الدواء" من خلال مواقع الانترنت webInternet، ويتم التوصيل بكل سهولة ويسر إلى المنزل وفي البلد المطلوب من خلال مواقع تسويق الدواء دون مراعاة للآثار السلبية الناجمة من استعمال الدواء بدون استشارة الطبيب، أو عمل التحاليل الطبية لمعرفة ما إذا كان الدواء يؤثر على الجسم! إن التعاطي مع المرضى بهذا الاسلوب أكثر بشاعة مما يقوم به بعض الصيادلة - بائعو الأدوية - الذين يصرفون أدوية أو مضادات حيوية بذات الطريقة التي يبيعون بها حفائظ الأطفال! وفي الولاياتالمتحدةالامريكية بلغت التجارة في الصحة ذروتها إذ زار أكثر من خمسة وعشرين مليون امريكي مواقع صحية على الانترنت قبل زيارتهم للاطباء في عام واحد فقط، بل إن 80% من هؤلاء المراجعين لتلك المواقع قد تلقوا علاجاً بشكل مباشر أو غير مباشر. وأشارت مجلة نيو انجلاند NewEngland الامريكية إلى زيادة مرعبة في عدد الوصفات الطبية الموجهة الى المرضى مباشرة مما يدل على وجود هوس بين المرضى ناتج عن كثافة الاعلانات الموجهة من قبل الشركات العاملة في صناعة الدواء الى العملاء "المرضى" رغم ان تعليمات منظمة الدواء والغذاء الامريكية تشدد على تقنين هذه الوسائل بقدر الامكان، إلاّ أن المنظمة في وادٍ، والشركات الدوائية في وادٍ آخر! وفي أوروبا ينفق على تجارة الصحة وحدها مبلغ ثلاثة تريليونات دولار أمريكي حسب تقرير منظمة الصحة العالمية، ويتوقع أن يزيد الانفاق تريليوناً آخر خلال ثلاث سنوات قادمة! فهل يفيق هؤلاء المتاجرون في الصحة من سباتهم، ويعيدوا لمهنة الطب التي قامت منذ فجر التاريخ على مبدأ الأخلاق والمصداقية؟!