البارحة وأنا أستعد لمغادرة المقهى الذي اعتدت الجلوس فيه وكتابة بعض مواضيعي، استوقفني منظر لم أجد له تفسيراً، فما كان مني سوى الترحم على حالنا. في الجهة المقابلة للمقهى تجمع شباب في مقتبل العمر يبدو عليهم حُسن المظهر والمركب وهم يتمايلون كالممغوص من ألم البطن على أنغام مزعجة تصيب الرأس بالدوار. تسمرت مكاني والدهشة تلفح وجهي لفحاً، وإلى جواري وقف إياس العامل الأنيق صاحب الابتسامة الجذابة وكأنه كان على علم بهذا الحشد الغفير. سألته عن سبب هذه الزحمة ولماذا كل هذا التمايل؟ فأجابني بلغته العربية المحطمة.. ليش أنت ما في شوف هذا نفر قبل كذا؟ اليوم هذا قليل عشان مدرسة، كثير سوِّي كذا إزعاج. انتهى كلام العامل الظريف، وانتهى فضولي ولكن تساؤلاتي لم تنتهِ.. مضيت في طريقي وأنا أشعر بمغص من حرقتي وطنين في رأسي من تلك الموسيقى العابثة وليس ما أشعر به هو المهم، الحيرة كل الحيرة في الأعداد المتجمهرة، فلو كان السلوك فرديّاً أو بعدد بخس لقلنا إنه شذوذ والشذوذ لا يعد قاعدة نبني عليها فلكل قاعدة شواذ، ولكن العدد غفير يثير الدهشة فهل يعقل أن شبابنا يتراقص وجعا مما به من فراغ وكبت وبهذا التمايل تنطبق عليهم نظرية الطير الذي يرقص من ألم الذبح؟ كلها مبررات لا نفع منها، فمهما حاولنا وكتبنا إلا أن الصدمة تبقى أكبر فلا يوجد مبرر لكل هذا التمايل المهين الذي يُفقد الكرامة هيبتها والرجولة أجمل صفاتها. سيبقى الحال على ما هو عليه بعيدا عن مطالبة التعليم، والأسرة، ومؤسسات المجتمع، وأئمة المساجد بأن يقوموا بأدوارهم التي لا تؤدي في النهاية إلى كل هذا الانحلال والتفسخ. ولكني سأدعو وزارة الصحة هذه المرة لكي تكشف على جرعات التطعيم المستورد ربما نجد السبب.. هذا ما بقي يا سادة!! لمحة عابرة: يتدحرج بسهولة كل شيء فارغ. [email protected]