من الأمور المحمودة لدينا في هذه البلاد المباركة المملكة العربية السعودية، ضبط الفتوى والفتاوى، فهناك هيئة لكبار العلماء، واللجنة الدائمة للإفتاء، وهي الجهات العلمية المنوط بها هذا الأمر، وقد اصحب من المعروف لدى الجهات ذات العلاقة، وخاصة وسائل الإعلام ، الجهة والاشخاص الموكل إليهم هذا الأمر. ومع شيوع الفضائيات، والإنترنت .. أصبحنا نرى ونسمع ونقرأ العجب العجاب لما يسمى بفتاوى، وفي برامج خصصت للإفتاء من أناس لايحملون مؤهلات شرعية، وغير متخصصين ، وليسوا مؤهلين للإفتاء، وهذه من الآثار السلبية على الأفراد والمجتع، فهؤلاء الذين يتجرأون على الفتوى، وقد يقولون على الله بغير علم ، وعدها بعض العلماء كبيرة لما ورد فيها من التحذير الصريح في القرآن الكريم ، قال تعالى " قل إنّما حرم ربي الفواحش ما ظهر منها ومابطن والإثم والبغي بغير الحق وأن تشركوا بالله مالم ينزل به سلطانا وان تقولوا على الله ما لا تعلمون". لقد أغرى بعض الناس حبُّ الظهور في أن يتصدروا للفتوى، وغر البعض الغرور ، وزين لهم الشيطان ما عندهم من علم قليل على أنهم فلتات زمانهم، فتعجلوا وافتوا في مسائل لو كانت في زمن الصحابة والسلف الصالح لتدافعوها من الخوف، في حين يأتي " طويلب علم" ويقول: " نحن رجال وهم رجال"، بل تجد من جاء لهذا البرنامج الديني،أو برنامج الإفتاء، يفتي في كل شيء حتى في الأمور الدنيوية، وهذا مخالف لمنهج السلف الذين كانوا يتورعون في الفتيا، ومن تصدى منهم للفتوى كان لايجد غضاضة بالإجابة بالاعتذار، وعدم العلم بالمسألة إذا ما سُئل في مسألة لم يتيقن من جوابها. وقد روي عن الإمام مالك - رحمه الله- أنه جاء إليه رجل وقال له : يا أباعبد الله جئتك من مسيرة ستة أشهر حملني أهلي مسألة أسألك عنها، فقال: سل، فسأله، فقال : لا أدري، فقُطع بالرجل وكأنه قد جاء إلى من يعلم كل شيء، فقال : وأي شيء أقول لأهل بلادي إذا رجعت أليهم؟ قال: تقول لهم: قال مالك : لا أدري .. وسئل - رحمه الله - في أربعين مسألة، فقال في ست وثلاثين: لاأدري. وبعض من يظهرون في القنوات الفضائية يتحرج من ظهوره امام الملأ حينما يطرح عليه تساؤل بأن يقول: لا أدري ولا أعلم، فيجيب على كل مسألة بعلم أو بغير علم ، وربما أتى بعضهم بالطوام من الكلام، ومع الأسف فإنه لا سلطان على القنوات الفضائية، ولا يهم بعضها ان تبحث عن الأعلم والأتقى، ولكنها تبحث عن الأفضل في معاييرها، وهي المعايير الخاصة جماهيرياً، والأفضل ممن يضحك الناس تارة أو يأتي بالعجائب والغرائب.. بل إن أحدى القنوات قدمت" عامل بناء" ليتصدى للفتاوى، وهو لا يحمل سوى الشهادة الثانوية فقط، وما تلا ذلك من الشهادات فهي من جامعة "زعيط" و"معيط"، وهو يقدم برنامج اسبوعي، ولايزال مع بعض أعضاء هيئة كبار العلماء. والأخطر في برامج الإفتاء أنها تبث على الهواء، وليست مسجلة، فلا مجال للقراءة أو المراجعة، بل تكون الإجابات فورية، مع خطر آخر وهو أن هناك من المتصلين والمتصلات لا يتصلون لحاجة، وإنما لأهداف خاصة يسعون من خلالها إلى أثارة البلبلة والتشكيك، ومآرب أخرى لنفوس ضعيفة، وأنصح بقراءة كتاب "الفتوى بين مطابقة الشرع ومسايرة الأهواء" لمعالي الشيخ صالح آل الشيخ ، فهو كتاب مهمّ لمن يتصدّى للفتوى. ولي عودة - بإذن الله - حول موضوع الفتاوى، وخاصة فتاوى على الهواء في حلقة قادمة - بإذن الله.