منذ يومين كانت لدينا إحدى القريبات وهي طالبة في الصف الرابع الابتدائي وتدعى مروج (لم تكمل سن العاشرة) وكان معها كتاب مادة العلوم الذي تحاول حفظه بمساعدة والدتها ولفت نظري بعض الكلمات التي كانت ترددها مثل "الماجمة" وكأنها في الصف الرابع جولوجيا، وعندما حاولت أن أعرف مستوى استيعابها لما تردد وجدت نفسي كمن يحاول إجبار طفل على قيادة طائرة حربية فتوقفت. تعجبت الصغيرة من تعجبي فأخبرتني أن أخاها الأصغر عبد الرحمن والذي هو في الصف الأول إابتدائي لديه مواضيع في مادة العلوم يحاول حفظها، طبعاً لأنه لا يستطيع استيعابها، فنظرت إليه فتبسم بسخرية الأطفال. لا يَشُك أي عاقل في حرص الدولة ممثلة في وزارة التربية والتعليم على وضع أفضل المناهج، ولا يستطيع منصف أن يتجاهل توجيهات و آمال سمو الوزير الذي تَحَمَّل حِملاً ثقيلاً وهو به جدير. ولكن موضوع المنهج أجده أمراً لا يحتمل التأجيل لما له من آثار حالية ومستقبلية على نوعية المخرجات التعليمية. إن بناء الفكر يمكن تشبيهه ببناء العضلات التي لا تستطيع أن تفاجئها بأوزان كبيرة لأنك سوف تمزق هذه العضلات بدلاً من بنائها، كذلك العقل عند الطفل فإذا ما أجهدته من مرحلة مبكرة سوف يؤثر هذا على نوعية الاستيعاب الذي يسبب التذمر من الدراسة بل وصل الحال عند بعض الناشئة إلى كره الدراسة بشكل ملفت. أتذكر في الزمانات عندما سألت عمَّن يضع هذه المناهج تفاجأت بأسماء رؤساء جامعات و أقسام من الأكاديميين المتقاعدين اعتقاداً بأنهم أفهم البرية ولذلك هم أصحاب الخبرة في وضع المناهج الدراسية لأطفال المجتمع. أعتقد أن هذا من أهم الأسباب التي تنتج المناهج الهباب، لأن الوزارة أصبح اسمها التربية والتعليم فالبداية تكون بتربية الناشئ الصغير و بعدها تعليمه، ولكي نضع منهجاً للمرحلة الابتدائية فهو بالتأكيد لابد أن يحوي تربية أكثر من تعليم لأنها مرحلة تأسيس، ولذلك لابد أن يشارك في وضعه نساء ورجال من تخصصات اجتماعية وتربوية ومن الشباب الناضجين، نحدد لهم نوع وحجم المخرجات المطلوبة للطالب والطالبة عند إكمالهم للصف السادس الابتدائي في هذا الزمان وليس للماضي منه، ومن هنا توضع أسماء المناهج بناءً على ما بداخلها من تربية مرصعة بالتعليم المتكافئ مع سن الطلاب والذي يعود بالنفع عليهم في تحصيلهم الحالي و المستقبلي القريب وليس البعيد جداً. المناهج التي لا تجلب السعادة لطفل السنين الأولى في الدراسة ولا يخرج منها بتطور سلوكي وعلوم مقدرة تساعده على دخول المرحلة المتوسطة وهو أكثر شغفاً وحماساً، تعتبر مثل أنواع البكتيريا التي باستطاعتها إفساد أجود أنواع الطعام الذي يمثله هنا فكر الأنجال. لنطور للطلاب هذه المناهج التي جعلت الطفل يرتعد والشاب يبتعد. عضو الجمعية العالمية لأساتذة إدارة الأعمال - بريطانيا