عرفت الأستاذ الأديب عاصم حمدان من خلال مقالاته في الصحف المحلية فوجدت الفكر الموسوعي والطرح المعتدل الهادف يتدفق من خلال حروفه ينبوعاً صافياً عذب الكلمات. واستمرت رحلتي الخجولة مع أديب الحجاز أتتبع قلمه بشغف أينما حل حتى عثرت على أعماله الكاملة التي نشرها الأديب عبدالمقصود خوجه عبر الاثنينيه، فشعرت حينها أني عثرت على كنز ثمين لا يضاهيه كنز آخر. وخلال دراستي للغة العربية بجامعة الملك عبدالعزيز حضر اسم الأديب الوقور كأحد أبرز أساتذة القسم ولكن الأقدار حالت دون اللقاء به فلم يُدرس لي. هذا الشغف بلقاء أديب الحجاز لم يتوقف عند هذا الحد ففي كل مرة أتواجد في قسم اللغة العربية أتحين الفرص لعلي ألتقي به فتجدني أجوب الطرقات أبحث عن مكتبه والباب الذي يتزين باسمه حتى نجحت محاولاتي، وفجأة إذ بي أقف أمام مكتب كبقية المكاتب، وباب يحمل لوحة لا تختلف عن بقية اللوحات، ولكن الاسم هو الذي لم يكن كبقية الأسماء. وقفت طويلاً أمام الباب الموصد والتساؤلات تعصف برأسي عن كيفية المكان وما يدور فيه من أحداث ؟ والأهم من كل ذلك هو اللقاء والتخطيط له، فلم أجد طريقة غير اقتحام مكتبه بحجة البحث عن أستاذ من أساتذتي الذي ظننت أني سأجده هنا وبعدها سأقدم اعتذار يليق بهيبة الأديب وانسحب. وبعد عمل (سيناريو) وهمي لطريقة الدخول والكلمات التي سأتفوه بها والتأكد من موهبتي التمثيلية التي اعترف أنها مشلولة لا تتحرك وخرساء لا تنطق.. توكلت على الله وتقدمت نحو الباب المهيب وطرقته طرقات مرتبكة فيها الكثير من التردد والوجل ولكني لم أسمع جواباً لطرقاتي البائسة، أمسكت بقبضة الباب الصامد وأدرتها يميناً وشمالاً ولكنه ظل صامداً لم يحرك ساكناً أمام رغباتي الجامحة لتنتهي عند هذا الحد مرحلة من مراحل البحث عن اللقاء الذي لم يحن بعد. انتهاء مرحلة لا يعني انتهاء الأمل فربما يكتب الله اللقاء في أبهى صوره عما قريب. لمحة عابرة.. يقول الحكيم الصيني لاوتسو: من يعرف الغير فهو ذكي، ومن يعرف نفسه فهو مستنير. ومن يغلب الغير فهو قوي، ومن يغلب نفسه فهو جبار. طفولتي السمراء في (قريتي) الصغيرة حيث نسيت طفولتي ووجهها الجميل تركتها تركض خلف طيور المساء العائدة إلى أعشاشها غفت ذات مساء، نظرت إليها من بعيد، وحقيبة أحلامي معي خفت أن أيقضها فترفض رحيلي، أو تسافر معي إلى المجهول اسمعها تناديني اسمعها تعاتبني خرجت من قريتي والطيور نائمة وأوراق الشجر الأخضر تسترق النظر إلي من بعيد جدراننا المهدمة، حقول القمح الأصفر، شروق الشمس، خوفنا، وصوت جدتي أبهرتني سطوت الحياة، ابهرني ضوء المدينة الساطع سرقني من سمار وجهي، وقهوة أمي مازالت طفولتي هناك، تركض خلف طيور المساء التي لم اعد أشاهدها يقولون أنها لم تكبر، مازالت شقية، تتعربش الجدران كل صباح مازالت تركض حافية القدمين والعرق المالح يحرق عينيها سأعود يوماً يا قريتي ربما تحملني قدماي إليك أو ربما أتيك محمولاً رتبي موائد الفرح، زيني الأشجار والوديان وطفولتي السمراء.. هل ستعرفني؟ [email protected]