مازالت ذاكرة الأجيال خلال العقود الخمسة الماضية، تذكر تلك البرامج التلفزيونية العلمية التربوية الهادفة منها على سبيل المثال برنامج (العلم والإيمان) للدكتور مصطفى محمود الذي رحل عنا صباح يوم السبت الماضي مخلفاً إرثاً علميّاً ضم كتباً وبرامج هادفة عديدة.. فقد كان مفكرا وكاتبا وطبيبا وأديبا وفنانا، تراه يتحدث بأريحيته المعروفة في برنامجه هذا والذي يربط فيه بين العلم والإيمان نافياً أية جفوة بين العلم والدين، ومدللاً في أسلوب بسيط وشيق وموثقاً بالصور التلفزيونية المشاهدة ما يتناوله في كل حلقة.. ولا ننسى كيف كان يتفاعل مع كل ما يقدمه فتراه تارة مبتسماً وأخرى ضاحكاً على تصرف تلك الحشرات مثل الجراد والنمل وخلافه حينما يتعرض لأسرابه وأسراره وحياته مستدلاً بآيات من القرآن الكريم وفي أسلوب شيق وبسيط يجعلك تنصت في إعجاب لما يقول (بُص شوف عاملة إزاي.. حتروح جَري تنادي اخواتها.. سبحان الله.. أهي دي الرئيسة بتاعتهم جات بسرعة.. حاجة غريبة.. شوف إزاي الكل بيشتغل) وتشاهد تأصيلاً وفهماً لمبدأ العلم والإيمان رغم ضخامة المجهودات التي يبذلها في إعداد وجمع وتصوير وتقديم تلك البرامج.. ولعله استدلال يشابه ما ذهب إليه ذلك العالم الجليل رحمه الله الأستاذ محمد علي يوسف في كتابه (الجفوة المفتعلة بين العلم والدين) حيث جمع في الكاتب الأدلة على عدم وجود جفوة حقيقية بين العلم والدين وأنها جفوة مفتعلة أراد بها من لا يعرفون حقيقة الإسلام فصل العلم عن الدين والإيمان، فبطل زعمهم بجهود أولئك العلماء واستدلالاتهم البناءة العلمية والعملية، إلى جانب المؤتمرات العلمية عن الإعجاز العلمي في القرآن والتي بينت سَبق القرآن الكريم لتلك العلوم والظواهر الكونية والاكتشافات قبل اكتشاف أولئك العلماء لها بمئات السنين. رحم الله تعالى الدكتور مصطفى محمود وأسكنه فسيح جناته فقد قضى معظم حياته من أجل العلم ودراسة الظواهر الكونية والتطلع والتأمل في النجوم والكواكب ورصدها بمرصده لساعات طويلة.. إلى جانب جهوده في خدمة المرضى من خلال جمعيته الخيرية التي أسسها لمساعدة الفقراء وعلاجهم بمستشفاه الخيري اللصيق بمسجده بالمهندسين بجمهورية مصر العربية.. وجزى الله سائر علمائنا بما أسهموا وقدموا من علوم ومعرفة في مسيرة حياتهم ستظل تتوارثها الأجيال.. فسبحان الله (وفوق كل ذي علم عليم).