نعلِّم طلابنا في الهندسة إدارة المشروعات بتقسيمها إلى مهام ووضع جدول زمني لها وربطها معاً بحيث لا تبدأ مهمة إلا بعد انتهاء المهمات السابقة لها. ويسهِّل البرنامج الحاسوبي بروجكت Project (أحد برامج أوفيس) ترتيب المهام حسب أولوياتها. ونرى بعض الناس لا يجيدون ترتيب الأولويات. فقد سمعت عن كهل دخل في الإسلام، فقال له واحد ممن حوله: عليك بالختان! فقال: أرجع إلى ديني! فأجابه: يقام عليك حد الردة! هكذا كانت الأولويات عند ذاك الذي ما سمع حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم: (بشِّروا ولا تنفِّروا. ويسِّروا ولا تعسِّروا)، وما سمع كيف رتَّب الأولويات لمعاذ بن جبل عندما بعثه نحو أهل اليمن: (إنك تقدم على قوم من أهل الكتاب، فليكن أول ما تدعوهم إلى أن يوحدوا الله تعالى، فإذا عرفوا ذلك، فأخبرهم أن الله فرض عليهم خمس صلوات في يومهم وليلتهم، فإذا صلوا، فأخبرهم أن الله افترض عليهم زكاة في أموالهم، تؤخذ من غنيهم فترد على فقيرهم، فإذا أقروا بذلك فخذ منهم، وتوقَّ كرائم أموال الناس). ونقرأ في القرآن الكريم وصية لقمان لابنه، وفيها تسلسل الأولويات التربوية. فيبدأ بترسيخ العقيدة: (يا بني لا تشرك بالله. إن الشرك لظلم عظيم). ثم يعرِّفه بخالقه سبحانه وتعالى، ويعرض عليه بعض صفاته، من خلال ذكره للآخرة وما فيها من حساب دقيق وجزاء عادل، يصف فيها علم الله الشامل الهائل الدقيق: (يا بني إنها إن تك مثقال حبة من خردل، فتكن في صخرة، أو في السموات، أو في الأرض، يأت بها الله. إن الله لطيف خبير). فحبة الخردل الصغيرة، التي قطرها أقل من مليمتر واحد، حتى لو كانت ضائعة في صخرة أو في كيان السموات الشاسع، أو في ثرى الأرض، فالله يأت بها، وعلمه يلاحقها، وقدرته لا تفلتها. كيف لا وهو الله اللطيف الخبير. فإذا استقرت العقيدة في النفس، من توحيد لله، وشعور برقابته، وتطلع إلى ما عنده، وثقة في عدله، وخشية من عقابه، يأتي بعد ذلك الأمر بالتكاليف: (يَا بُنَيَّ أَقِمِ الصَّلاةَ). وبعد التزود بالعبادة يصبح مؤهلاً لحمل الرسالة إلى الآخرين: (وَأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ وَانْهَ عَنِ الْمُنكَرِ). وإنها لمهمة شاقة تتطلب الصبر على الناس، فينبهه إلى ذلك: (وَاصْبِرْ عَلَى مَا أَصَابَكَ، إِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الأُمُورِ)، فهذا الطريق لا ينفع معه إلا العزم والتصميم. وبعدها تأتي مرحلة زرع القيم للتحلي بمكارم الأخلاق، فيعظه بألا يتكبر على الناس ولا يتطاول عليهم ولا يمشي في تبختر أو اختيال، ولا يرفع صوته، فالغلظة في الخطاب دليل سوء الأدب، ومن يفعل ذلك يثير الهزء والسخرية: (وَلا تُصَعِّرْ خَدَّكَ لِلنَّاسِ وَلا تَمْشِ فِي الأَرْضِ مَرَحًا، إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ. وَاقْصِدْ فِي مَشْيِكَ، وَاغْضُضْ مِن صَوْتِكَ، إِنَّ أَنكَرَ الأَصْوَاتِ لَصَوْتُ الْحَمِيرِ). إنها وصية جامعة ترتب الأولويات، ولا تتطرق إلى الثانويات التي يسعى لها الإنسان من نفسه بعد اكتمال الأساسيات ليرتفع في مراقي الفلاح. كلية الهندسة، جامعة الملك عبدالعزيز