** من الجماليات الايمانية التي بدأت تظهر في مجتمعنا السعودي، خلال السنوات القليلة الاخيرة، عدم الركون الى رأي فقهي واحد، في المسائل التي يسوغ فيها الاجتهاد، وهذا في تقديري تطور نوعي مهم يحتاجه مجتمعنا، الذي درج خلال سنوات طويلة كثيرة مضت، على ثقافة الرأي الواحد، والاجتهاد الواحد، بحيث صارت هناك قناعة بتطوير الفتوى بحسب الزمان والمكان وحاجة الناس، الى ما يصلح حياتهم، وبالتالي احترام أراء كل العلماء المعتبرين، ممن اجمعت الامة على اعتباريتهم، كونهم ثقات في اماناتهم وعلمهم. ** الجديد في هذا الشأن ما صرح به الشيخ الدكتور سلمان العودة ل"المدينة" يوم 16 رمضان الجاري 1430ه بقوله (انه يجوز اخراج زكاة الفطر نقدا) وهو ذات الرأي الذي سبق وان افتى به فضيلة الشيخ الدكتور يوسف القرضاوي قبل سنوات من الآن، ورأه عدد من الناس انه امر لا يصح، ولا يجوز الأخذ به، وان المطلوب هو الالتزام (الحرفي) بنص الحديث بأن يتم اخراج الزكاة (صاع من البر او الشعير او التمر او الزبيب او الاقط..). ولم يفطن هؤلاء الى (العلة) من هذه العبادة وهو (اغناء الفقير) ولذلك تطور الامر في بادئ الامر الى اخراجها من (الأرز) مع ان هذه المادة الغذائية ليست ضمن نص الحديث الشريف، وصار معظم الناس عندنا هنا يخرجون زكاة البدن في نهاية رمضان من الأرز!! ** الشيخ سلمان العودة قال: (إن صدقة الفطر مسألة خلافية بين الفقهاء، ومنهم من اجاز اخراجها بالنقود، وعمر بن عبدالعزيز اعتمد هذا في خلافته، وكتب للامصار، فمعناه انه قول معتبر، لانه في عهد التابعين اعتمد كمذهب للدولة).. واضاف الشيخ العودة قائلاً: (ان الصدقة الفطر ليس المقصود منها اخراج الارز او غيره وهو امر تعبدي، انما المقصود اغناء الفقير). ** واتذكر كذلك في هذا السياق - سياق تطوير الفتوى بحسب احوال الزمان والمكان - ان رمي الجمرات خلال موسم الحج، لم يكن مسموحاً به قبل الزوال بحال من الاحوال في ايام التشريق، حتى فكر العلماء، واجتهدوا، ورأوا حاجة الحجاج وزحمة المكان، وتقاتلهم، فصدرت فتوى يجوز الرمي منذ الصباح، وقد كنت احد الذين اكرمهم الله سبحانه وتعالى بأداء فريضة الحج في تلك السنة، ورأيت بأم عيني اثر تلك الفتوى في تخفيف التدافع والارتباك حول الجمرات، فكان اثرها حميدا وعظيما والحمدلله. ** كما ان من الامثلة الاخرى المهمة جدا في هذا السياق، قيام علمائنا باعتماد الرؤية بالمراصد الفلكية، ورأينا هذا العام ولاول مرة كيف تم اثبات بداية شهر الصوم لعام 1430ه بشكل جيد، تم فيه التحري الدقيق بواسطة المراصد التليسكوبات، التي يمكنها ان تحسم المسألة بشكل يقيني اكثر من الرؤية المجردة، والتي قد يشتبه على البعض انه رأى الهلال عندما يرى نجماً مضيئاً في الافق فيظنه هلال الشهر. ** وفي هذا الصدد لفت انتباهي ما ورد عن فضيلة الشيخ الدكتور عبدالوهاب ابو سليمان عضو هيئة كبار العلماء، بصحيفة "المدينة" يوم 17 رمضان الجاري 1430ه من خلال محاضرة له بالنادي الادبي بمكة المكرمة، عندما قال: (ان رؤية الهلال امر يختص به الفلكيون، واجاز العلماء المراصد وثبت عندهم انها اقوى من العين الباصرة).. ثم اشارة الدكتور ابو سليمان الى (انهم فضوا شهادة شخصين اتيا في ليلة الجمعة الاخيرة من شعبان مدعين رؤية هلال الصوم، فردت شهادتهما استنادا الى استحالة رؤية الهلال بحسب قول الفلكيين). ** ولعلنا حقيقة نرى ان تنوع الآراء الفقهية فيما يسوغ فيه الاجتهاد جاءت خيراً على خير، وقدمت للناس أطراً فاعلة من اداء عباداتهم في سهولة ويسر، تحقق في نهاية المطاف المقصود من العبادة. ** وقفة: ** مازلت اعجب من عدم تنفيذ ائمة الكثير جداً من المساجد والجوامع لأوامر وزارة الشؤون الاسلامية، بتخفيض اصوات مكبرات الصوت للمساجد خارجها وداخلها، واقتصارها على رفع الآذان والاقامة، في وقت كان يتوجب عليهم وهم القدوة دون شك على تنفيذ تعليمات ولي امرهم وهي الوزارة!!