وأنت بعيد تفكر في الأشياء من بعيد، أو تقرر أن لا تفكر في الأشياء وأنت بعيد. تترك نفسك لما يحمله كل يوم من مفاجآت وجدول مختلف تماما عن جدولك اليومي في بيتك. لكنك في لحظة تستعيد كل الأفكار التي كانت تحتل عقلك وروحك. في لحظة وأنت تتحدث مع الآخرين عن الكتابة ومشكلاتها تجد نفسك مدفوعا بعاطفتك تتحدث بشغف عن بلدك. لا أحد يعرف بلدك كما تعرفها أنت، تعرف ذلك جيدا، وتقرر ألا تتحدث عنها لأن لا أحد سيفهم، وتقرر أيضا أنك لست في موقف دفاع، أنت هو أنت. وبلدك هي بلدك. تتحدث وتضحك وتستمع وتقرأ وتخالط كل هؤلاء الذين جاءوا من بلادهم ليقرأوا معك ويستمعوا ويكتبوا، وكلهم قرروا كما قررت أنت أن لا يتحدثوا عن بلادهم. كلهم مثلك يعرفون أنهم يعرفون بلادهم أكثر من معرفتك ببلادهم. وأنهم لن يمضوا الوقت يشرحون للآخرين ما الذي يحدث في بلادهم ولماذا الأخبار تتحدث عنهم بهذه الطريقة. ليس أجمل من أن تلتقي مع جنسيات من كل بلاد العالم، وتدرك جيدا أنهم متفردون، وتتساءل هل كل شخص فعلا يمثل بلده؟ ماذا لو أن أحدهم شخصية سيئة، هل يجب أن تتحمل بلده خطأ التربية الذي وقع فيه أهله؟ وتتساءل أيضا، من أول شخص فكر في هذه الفكرة، أعني أن كل شخص يمثل بلده في المكان الذي يذهب إليه، متى بدأ الناس ينمطون الأشياء؟ الأمريكيون ودودون ، الفرنسيون متعجرفون، البريطانيون متحفظون، ولا أريد أن أنجر إلى الحديث عن كيف يصف كل بلد عربي الناس في البلاد العربية الأخرى، لأن الأوصاف مشينة أحيانا. المشكلة الحقيقية هي حين تواجه أشخاصاً يتعاملون معك على هذا الأساس، أو لا يتورعون عن نقد بلدك على أساس الصورة النمطية التي قرروا أن بلدك يحملها. لماذا لا ندرك جميعا أننا متفردون، أن كل شخص يحمل صفاتٍ مختلفة عن أي شخص آخر. وأن البلد الواحد فيه كل أنواع الشخصيات. يبدو أننا ندرك ذلك فعلا، المشكلة أننا حين نقابل شخصا يختلف عن الصورة النمطية التي رسمناها لبلده، نقول بكل ثقة أنه لا يشبه بلده. وبذلك يصبح كل شخص نعرفه من تلك البلد الاستثناء والصورة التي رسمناها لبلده هي القاعدة التي نادرا ما نلتقي بها.. أمر مضحك أليس كذلك.. لكننا نفعل ذلك طوال الوقت.