تستجد قضايا تشغلنا كثيرا ثم تخبو ويفتر اهتمامنا بها.. ويأتي غيرها وتأخذ نفس الدورة من الاهتمام ثم الفتور، إلا البطالة الحاضرة دائما بهواجسها وواقعها وجهود علاجها.. لكن العلاج ظل طويلا غير مكتمل وتنقصه جوانب هامة، في مقدمتها الإرادة المنقوصة بأعذار متشابكة بتشابك أطراف القضية.. رغم جهود الدولة وعزمها الذي لم يفتر ولم يضعف، بل وجدناه في خط تصاعدي، ومع ذلك لم تتحقق النتائج المرجوة على أرض الواقع. السبب أن رؤية الدولة وعزيمتها لم تقابلهما رؤية وعزيمة بنفس القدر والمستوى في سوق العمل، حيث توضع العصي في دولاب الحلول إلا من استثناءات إيجابية وناجحة ضربت أروع المثل في خططها للتدريب والتوظيف للمواطنين.. والتفاعل مع آليات التوطين بروح وطنية عالية، بل فاق بعضها النتائج المستهدفة وأبدعت في مبادراتها الوطنية ليس فقط في الإحلال.. وإنما في الاستثمار الحقيقي للثروة البشرية الوطنية. في مقابل ذلك لازلنا نسمع أصواتا عالية نشاز في الأعذار وآخرون يصرون على التلاعب بالسعودة والتحايل على الأنظمة، وهذا مع الأسف الشديد يحدث في القطاع الخاص وبعض القطاعات الحكومية التي فاقت الخيال ودخلت اللامعقول في محاربة توطين الوظائف بأبواب خلقية، وأبدت سخاء منقطع النظير تجاه الأجانب بالتوازي مع التضييق على السعوديين. على ضوء هذا الخلط العجيب في التعامل مع قضية البطالة جاءت الخطوة الهامة من مجلس الوزراء في جلسته الماضية برئاسة صاحب السمو الملكي الأمير نايف بن عبد العزيز النائب الثاني لرئيس مجلس الوزراء ووزير الداخلية بإقرار الاستراتيجية الوطنية للتوظيف.. لتدشن مرحلة جديدة من الأهداف والخطط تقوم على رؤية واضحة وآليات محددة واضحة أيضا، وفق مراحل زمنية قصيرة ومتوسطة وبعيدة المدى، لكنها في المدى المنظور. وأبسط وأدق ما يمكن أن نصف به الاستراتيجية الجديدة أنها كما قال معالي وزير العمل الدكتور غازي القصيبي (خارطة طريق) حقيقية لعلاج قضية البطالة.. وإدارة متكاملة وهادفة للموارد البشرية الوطنية.. وهذه الرؤية بكل أهميتها تتطلب من الجميع استشعار المسؤولية الوطنية تجاه المصلحة العليا للوطن، خاصة وأن الدولة قدمت المحفزات وفي هذا الإطار الوطني تأتي جائزة الأمير نايف بن عبد العزيز للسعودة. ما نتمناه ونتطلع إليه أن تكون كل الأطراف المعنية في الصورة وفي دائرة الاستراتيجية الجديدة بدءا من القطاع الخاص مرورا بالتعليم وأجهزة الدولة المعنية وصولا إلى المجتمع والخريج والخريجة.. وأن يكون الجميع في المجال الحيوي لأهداف وآليات الاستراتيجية الوطنية للتوظيف.. حتى لا تهدم جهة ما تبنيه جهة أخرى، وما تحققه الدولة يضيع في القطاع الخاص ودهاليز أعذار سوق العمل. أما التفاصيل فلا شك أنها تحمل الكثير من الملابسات التي تبدو معها تناقضات شكلية أو حقيقية تحتاج لتوافق وعلاجات.. فإذا كان القطاع الخاص هو الباب الذي يدخل منه سيل الاستقدام. إن كان لضرورة أو لتجارة في التأشيرات، فإن الأمر يحتاج لمراجعات وضوابط تضع هذا القطاع أمام مسئوليات جادة توازن بين مصالحه ومصلحة الوطن وأبناء الوطن. كذلك بعض أجهزتنا الحكومية التي لا تزال تتحايل على توطين الوظائف، بمنح تعاقدات مشاريع مقابل توظيف غير سعوديين أمرهم يهم مسئولين تنفيذيين ولا يهمهم إن جلس أبناء الوطن على قارعة الطرق والمقاهي وهم من حملة الشهادات وذوي الخبرة. في نفس الوقت نتمنى مزيدا من المثابرة والسعي لدى شبابنا وخوض غمار الحياة وميادين العمل، وطرق أبوابه، وقد تفتحت أبواب عديدة في الأعوام الأخيرة، وبدأنا نرى وظائف يقبل عليها سعوديون.. وتبقى القضية بمجملها في الرؤية الشاملة على ضوء واقع سوق العمل والتخطيط لمستقبله مرحليا في إدارة وتنمية الموارد البشرية الوطنية وإسهام الجميع في بناء مجتمع منتج. [email protected]