أفكر في صديقتي التي ابتلاها الله بمرض ابنتها، وقلت لها إن الله يبتلي العبد على قدر ما يعرف عن جلد عبده وتحمله، ابتسمت بمرارة، ودعوت أنا يارب لا تختبر قدرتنا على الاحتمال، أتابع الصحف بين كاميرات الهيئة وفيلم مناحي، وأتساءل، حتى متى تظل قضايانا تافهة وليس لها محل من الإعراب بين قضايا الدول المهتمة بالعلم والتطور. كلمة الرياض يتحدث فيها يوسف الكويليت عن تصنيف مطاراتنا المخجل في أدنى القائمة بين مطارات العالم، وأتخيل لو توجه المنكرون إلى المطار وصرخوا وطالبوا بتحسين الخدمات، في لحظة شعرت بالخوف ، بل الرعب، وتذكرت رواية العمى لساراماغو، هل هو يتحدث عنا؟ في مادة الدين التي يدرسها ولدي أدلة على اللهو المحرم، أتذكر وجه مدرس المادة الذي رفض النظر إلي وأنا أسأله عن حال ولدي في المدرسة فيشيح بوجهه ويخبرني بشكل حاسم أنه ليس مسؤولا عنه.. أحمد الله أن ولدي لا يحب هذا المعلم ويقول أنه إما غاضب أو زهقان، تخيلت لو أنه ألطف وأشد جاذبية ماذا كان سيحدث في عقل ولدي. أعود للتفكير في صديقتي وابنتها وأعود للتساؤل، كم من هؤلاء لديهم مشاغل حقيقية ، أعتقد أن لا أحد يخلو من المشاغل الحقيقية، لكن يصبح الانشغال بالأمور غير الحقيقية مهربا أحيانا، حين لا تستطيع أن تفعل شيئا لأمر حيوي يهمك، يصبح الصراخ في أمور اقل أهمية إثبات وجود، دليل حياة، وحين يأتي شخص قادر على إيهامك بأن هذه هي قضيتك الكبرى، تنسى عندها كل أمورك المتعبة والمزعجة والتي تشعرك بالعجز، لتنخرط في أمور تقدر فيها على قول كلمتك بصوت عال، تستطيع أن تلعن وأن تشتم وأن تتنفس عن غضبك من كل شيء، بدون أن تشعر بالخزي، بدون أن تطالب بمطالبك الحقيقية ، حيث لن يهتم أحد، ولن يلتفت لمطالبك أحد. بهذه الطريقة أنت تعلن عن غضبك من خلال قضية نبيلة ومصيرية، هذا ما تعتقده بإخلاص، وهذا تحديدا ما يستغله آخرون فيك، حاجتك للتعبير والصراخ والإيمان بقضية كبرى تبعدك عن همومك الصغيرة. كاميرات الهيئة التي أحدثت كل هذا الضجيج، لو أنها تتبرع بها للشرطة كي تعينها على مراقبة الأحياء التي كثرت فيها حوادث سرقات المنازل، لكن حتى هذا غير مقبول، لأنه سيكون تجسسا على الناس، إذا كنا لا نقبل تسليط كاميرات على بيوتنا لدواعي الأمن، هل سنقبلها في الأسواق لدواعي الغزل؟. [email protected]