أنجزت الانتخابات الأوروبية التي تمت بين 4 الى 7 6 2009 برلمانا جديدا، يتكون من 736 عضوا ل 27 دولة عضوا في الاتحاد الأوروبي. توسع الاتحاد الأوروبي بعد سنوات من تأسيسه شرقا وجنوبا، وزادت مساحته الجغرافية وأعداده السكانية وتصاعدت معها تداعيات الأزمة الاقتصادية العالمية لتضيف تحديات أخرى وأعباء مشتركة ولاسيما في اختيار الحكومات والتيارات السياسية المؤيدة لنجاح الاتحاد ودوره في الوحدة السياسية والعسكرية والاقتصادية وحتى الثقافية. انشغلت الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي خلال الأيام الماضية في حملات الانتخابات والدعاية لها وقدم رؤساء الحكومات والمسؤولون فيها ووسائل الإعلام ما يستطيعون من محفزات وتشجيع للناخبين للمشاركة في انتخاب نوابهم، إلا أن المشاركة في الانتخابات الأوروبية تتراجع انخفاضا من دورة إلى أخرى، منذ بدايتها قبل ثلاثين عاما، يرجعها المراقبون إلى شعور سلبي من دور البرلمان وأعضائه. والدول الجديدة التي انضمت للاتحاد الأوربي جاءته بعد انتسابها للحلف الأطلسي العسكري، وشعوبها لم تشترك أو تنتخب في هذه العملية، إضافة إلى تعرض الاتحاد إلى الكثير من الضغوط والمعوقات، ولاسيما في قضية التصديق على دستوره ومؤسساته التوحيدية. أظهر استطلاع للرأي أجراه مؤخراً معهد جالوب أن 36% من الأشخاص الذين شملهم الاستطلاع في بلدان الاتحاد الأوروبي السبعة والعشرين لم تعد لديهم أية ثقة في البرلمان الأوروبي، كما أظهر الاستطلاع أن 37% منهم لا يثقون في المفوضية الأوروبية. ومن بين هؤلاء الذين أكدوا أنهم لن يدلوا بأصواتهم في الانتخابات الأوروبية هذا العام، استشهد 64% بالافتقار إلى المعلومات كسبب لعدم مشاركتهم، في حين اشتكى 62% من أن أصواتهم لن تغير أي شيء. هذا الاستطلاع كشف أبعاد الأزمات الداخلية للبرلمان الأوروبي ونشاطاته اللاحقة ودوره في مستقبل الاتحاد وتجربته الاتحادية والعلاقات الدولية. ولاشك أن الحملات الانتخابية والإعلامية قد وضحت للناخبين ما يراد منهم ومن البرلمان من مهمات وأعمال لصالح الاتحاد الأوروبي وشعوبه وعبرت عن الحاجات المشتركة والاتجاهات العامة التي تربط بين الأعضاء والناخبين والحكومات الوطنية والاتحادية والمؤسسات التي تدير شؤون الاتحاد الداخلية والخارجية والمواقف من المشكلات والأزمات المحلية والدولية. ولكنها لم تف وحدها بمثل هذه المهام، خصوصا ما تتعرض له سياسات وأحزاب حاكمة من أزمات داخلية، كما هو حال حزب العمال الحاكم في بريطانيا وحزب الاتحاد من اجل حركة شعبية الحاكم في فرنسا. مر الاتحاد الأوروبي، كما هو معروف، بسلسلة تحولات وتطورات متعاقبة شكلت نموذجا تاريخيا متجاوزا مراحل تاريخية من الصراعات والحروب بين دوله ومكوناته وسياساته وزعمائه. منذ أن تشكلت "الجمعية الأوروبية للفحم والصلب" يوم 18 4 1951، التي عرفت بمعاهدة باريس، بمشاركة ألمانياالغربيةوفرنسا وإيطاليا وبلجيكاوهولندا ولكسمبورج، ولحقتها في 15 3 1957، "اتفاقية روما" المعروفة باسم "السوق الأوروبية المشتركة"، والتي دخلت حيز التنفيذ في 1 1 1958، مضيفة لها بريطانيا والدانمارك عام 1973، واليونان عام 1981، وأسبانيا والبرتغال عام 1986، والتوقيع في 7 2 1992، على "معاهدة ماستريخت"، التي رسخت هياكل الاتحاد والبرلمان المنتخب، إلى أن بلغ عدد الدول الأعضاء 27،(هي: أسبانيا، أسوانيا، ألمانيا، ايرلندا، إيطاليا، البرتغال، بلجيكا، بولندا، بلغاريا، التشيك، دانمارك، رومانيا، سلوفاكيا، سلوفينيا، السويد، فرنسا، فنلندا، قبرص، لاتفيا، لكسمبورج، لتوانيا، مالطا، المجر، المملكة المتحدة، النمسا، هولندا، واليونان)، تتواصل في نهجها التكاملي وتعمل من اجل تجاوز ما يعترضها من عقبات كثيرة في مسيرتها، مثل الالتزام بإجراء تغيرات في الكثير من بنود الدستور وتحوله إلى اتفاقية جديدة ( برشلونة) تحت المناقشة والاستفتاءات المنتظرة، إلا أن السير في تعميق البناء الاتحادي مستمر ومتواصل بمنهجية أوروبية لا تخلو من عقد متعددة، وهو ما يمكن اعتباره اختبارا للتجربة والخيار والاستمرارية. هذه السنة جرت الانتخابات الأوروبية في أجواء تفاقم الأزمات الاقتصادية والسياسية ومشاركة الكثير من دول الاتحاد في حروب خارجية عبر حلف الأطلسي أرهقت سكانها في دفع المال والدم مما زاد من حجم المشكلات واستمرارها أمام البرلمان وأعضائه الجدد. هذا إضافة إلى ارتفاع نسب البطالة العالية في القوى العاملة الأوروبية التي تعتبر من ابرز التحديات الجديدة للبرلمان الأوروبي والمؤسسات التنفيذية ولا تجد حكوماتها حلولا ناجعة لها، في ظل تفاقم الأزمة العامة للرأسمالية والتحالفات الأوروبية الأمريكية. وتطرح قضية المهاجرين ولاسيما القادمين من جنوب البحر الأبيض المتوسط وأساليب التعامل معهم قانونيا وعمليا نفسها كقضية داخلية مثل الوضع الاقتصادي. ومن ثم تتداخل هذه القضايا والأزمات فتفتح ملفات الأوضاع الوطنية الداخلية ونسب النمو والتطور الاقتصادي والتيارات الحاكمة في كل عاصمة أوروبية، لاسيما فوز التيارات المحافظة واليمينية التي لا تبحث عن حلول مشتركة ومستقبلية للقارة وعلاقاتها الدولية وقد تعمل للتفريط فيها فضلا عن انتشار قضايا الفساد الاقتصادي والمالي في صفوفها وما تسببه الاخفاقات العسكرية في الحروب الخارجية لها ولتحالفاتها السياسية والعسكرية. تشجع الانتخابات والبرلمان الجديد مسائل الاستفادة من الدروس النافعة في توطيد الممارسات الديمقراطية وتكريس مبادئ العمل السياسي الاتحادي، ولكن تظل أسئلة كثيرة عنها وعن موقعها في الخارطة والمشهد السياسي العالمي، وارتباطها ورهانها مع السياسات الأمريكية الإمبراطورية وعودة روح الاستعمار إليها بعد هزيمتها بنضال حركات التحرر الوطني العالمية. وتؤشر أهمية تجربة الاتحاد الأوروبي في الاتعاظ من مسيرتها البيروقراطية وارتهانها بسياسات واشنطن والتحول إلى مزرعة خلفية للكثير من السياسات السلبية المناهضة للتقاليد والقيم الإنسانية الأوروبية التي عرفت شعوبها بها، لاسيما ما عرف منها في انتهاكات الحريات العامة وحقوق الإنسان (خاصة ما تعلق في السجون والتعذيب) والاقتصاد الاجتماعي والرعاية الشعبية العامة ( ومنها الخصخصة وتقليص وإلغاء قوانين الرعاية الاجتماعية والصحية)، وغيرها من الأمور التي لا تنسجم والتطورات والتحولات التاريخية. عن الوطن العمانية