تطل ذكرى الخامس من يونيو/ حزيران بوجهها القبيح . وما أشبه اليوم بالبارحة، لا يزال العرب على حالهم من التشتت والانقسام وضبابية الرؤية، بينما الكيان الصهيوني، الذي حقق انتصارات في يونيو ،1967 لا يزال يحقق اختراقات وإنجازات كبرى . وفي عمق المشهد، تختفي انتصارات أكتوبر التي تحققت في العام ،1973 لأنها تمخضت عن اتفاقيات سلام، تركت الواقع العربي مجزءا، مشتتا، وممزقا، أما في العام ،1982 فقد حاصر الجيش الصهيوني بيروت وأجبر المقاومة الفلسطينية على الخروج بأسلحتها الفردية الخفيفة، وبعثرها في شتات جديد . بعد اتفاقيات كامب ديفيد، ومنذ ذلك التاريخ، أي منذ العام ،1996 والكيان الصهيوني يعيش حالة من الاطمئنان النسبي، ويعتقد أنه حقق إنجازا كبيرا للأسباب التالية: * أولاً: لم يعد الكيان يحارب المقاتلين الفلسطينيين القادمين من الحدود اللبنانية أو الأردنية، بل بات يحاربهم عن قرب، ويراقبهم عن قرب، بعد أن كانوا يتسللون إليه ويكمنون لجنوده ويفاجئونهم ويوقعون قتلى وجرحى في صفوفهم، ومنذ تلك (العودة)، بات يقنصهم واحداً واحداً، بل يعتبر أن لديه 30 ألف أسير يمكنه الاحتفاظ بهم في السجون متى شاء . * ثانياً: حقق إنجازا كبيرا من خلال توقيعه لمعاهدتي سلام مع مصر والأردن، وبذلك يكون قد أمن أطول حدود كان الفلسطينيون يهددونه من خلالها ويشنون هجماتهم عليه . * ثالثاً: لم يدخل في حروب طاحنة، ولم يتكلف المئات من الجنود بين قتيل وجريح، باستثناء حرب خاضها مع حزب الله في لبنان، رغم هبوط معنوياته التي حاول استردادها في حربه على غزة . * رابعاً: بات للكيان سفارات في عواصم عربية، وبدأ عملية تطبيع كبيرة، وهذا يعد إنجازاً . * خامساً: شق الصف العربي إلى منطقتين، ولا يزال يلعب على وتر التشرذم . * سادساً: يحاول أن يشتت الأنظار عنه من خلال تغذيته لفكرة الخطر الإيراني، ويصرح أنه لم يتفق مع العرب كما يتفق الآن معهم استراتيجياً بشأن الخطر الإيراني . * سابعاً: أدخل العرب في دائرة من المفاوضات، واقنعهم أن تلك المفاوضات ستؤدي في النهاية إلى تحقيق الحلم الفلسطيني في أن يعيش في كيان مستقل، ويحكم نفسه بنفسه، وقد ساعد على انتشار هذا الحلم تعهد إدارات أمريكية متعاقبة على مسألة حل الدولتين، إلا أن ذاك التعهد يتطابق مع التعهد الصهيوني شكلا وموضوعا وتنفيذا . إن المشكلة في رمتها تكمن في أن العرب يتعاملون مع الكيان الصهيوني على أنه أمر واقع ودائم، والكيان الصهيوني يتعامل مع كيانه بإطالة حياته أكبر مدة ممكنة، أي يتعامل مع ذاته على أنه مؤقت، وإن تصرف في الظاهر بغير ذلك . الكيان الصهيوني يعاني من عقدة البقاء، والعرب يتعاملون معه على أنه باق . وهنا تكمن المشكلة، فمن يعيش في قلق، يحاول دائما تحقيق أكبر قدر من الضمانات، وأولى هذه الضمانات يطرحها الكيان دائما ويوجزها، وهذا الأمن لن يتحقق إلا ضمن الشروط التالية: * أولاً: عقد اتفاقيات سلام مع الدول العربية المحيطة بكيانه الغاصب، والاعتراف به ككيان يهودي . * ثانياً: إقامة مناطق منزوعة السلاح، أو تحت إشراف قوات دولية، كما حدث في سيناء، والحدود الأردنية، وكما يريد أن يحدث في هضبة الجولان، إذ يريدها منزوعة السلاح . * ثالثاً: وجود كيان فلسطيني يتمتع بحكم ذاتي، تسيطر فيه الدولة العبرية على حدوده، واقتصاده وتجارته، ولا يتمتع بحدود مفتوحة وحرة مع جيرانه العرب وممنوع عليه أن يحصل على أكثر من أسلحة خفيفة بالتنسيق مع العدو الصهيوني . وفي سياق هذا التوجه، وفي إطار تنفيذ هذه السياسات، يتفاوض السياسيون الصهاينة مع الفلسطينيين والعرب، ويتقدمون بمطالب تعجيزية تفوق لفظ (الاستسلام)، ثم يشرعون بالتراجع قليلا قليلا، حتى تصغر القضية وتتقلص إلى مجرد دويلة . إن استراتيجية الكيان الصهيوني تقوم على إلهاء العرب في التفاصيل الصغيرة، وإيهامهم على أنهم أنجزوا أمرا ما، حين يتراجع الكيان عن تلك التفاصيل . إنه فن إدارة الأزمات التي يحترفها ساسة الكيان الصهيوني، ويجهلها العرب . تحل ذكرى نكسة حزيران، وما أشبه اليوم بالبارحة . الخليج الإماراتية