التقرير السنوي لديوان المراقبة العامة عن العام المالي 1427-1428ه ، تضمن عددا من الحقائق هي بلغة الأنظمة وتوصيف الديوان تندرج تحت لائحة المخالفات والأخطاء .. وقبل ذلك بأسابيع قليلة تابعنا نقاشات احتدمت في مجلس الشورى حول ما كشفه تقرير الديوان عن العام المالي 1426-1427ه من فقدان أو هدر 109 مليارات ريال .. ثم البيان الإيضاحي من ديوان المراقبة أن تلك المبالغ مهدرة بشكل تراكمي جزء كبير منها يتعلق بتأخر تحصيل قروض مستحقة السداد لصالح صناديق الإقراض الحكومي (44 مليار) ، ورصيد العهد (25.3 مليار) صرفتها الجهات الحكومية لفروعها ومكاتبها لأغراض محددة وكان يقتضي (تسويتها) بعد انتهاء الغرض ، وعدم تدويرها لسنة مالية أخرى . ولا زلنا أيضا في نفس التقرير الذي ناقشه أعضاء مجلس الشورى عبر اللجنة المالية بأن 20 مليار ريال هي مبالغ أمانات لدى الأجهزة الحكومية وتخص الغير (استحقاقات) لم تصرف لأصحابها وبالتالي مع تدويرها وترحيلها تكون عبئا على الدولة .. والبند الأخير يخص (المناقلات) لمبالغ كبيرة تم نقلها من بنود وأبواب في ميزانيات تلك الجهات إلى بنود وأبواب أخرى ، وقد تراكمت مبالغها (25 مليار) منذ سنوات مما تسبب في تأخير تنفيذ المشاريع التنموية ذات الأولوية .وهذا يستحق ما هو أبعد من الرقابة إلى محاسبة تجاهل الأنظمة المالية ، وكثير من المخالفات في بعض الأجهزة لا تقل أخطارها عن الفساد والانحرافات . إن التعامل مع أموال الدولة من أجهزة بالدولة ليس له علاقة بحسن النوايا أو بغيرها ، ولا يتم تعيين موظف أو مسؤول على هذا الأساس ..وإنما المعيار في النزاهة .. والشفافية هي القياس .وهذا يقودنا إلى تقرير ديوان المراقبة العامة للعام المالي 1427-1428 ه ، أي قبل عامين ماليين ونحن حاليا في الثالث بعد هذا التقرير .. وقد تناول عددا من الحقائق هي في حقيقتها واقع رصدتها الأجهزة الرقابية ، وما كشفته من أخطاء وانحرافات ليست جديدة .. ولا هي بالأولى ولن تكون الأخيرة ، وإن كنا نتمناها (أخيرة ) وليت المطالب بالتمني يا أجهزتنا الرقابية. نعم الشفافية ومن قبلها النزاهة لايتحققان بالتمني ، ولا بالنوايا كما قلت من قبل فالله وحده يعلمها .. وإنما بمزيد من الخطوات الرقابية والإجراءات وتشديد الأنظمة العقابية ، وإن كانت القائمة منها تكفي ، فإن الإشكالية تكمن في حتمية تطبيق العقوبات الرادعة بحق من قصّر ومن أخطأ ومن انحرف حسب كل حالة ، ليتعظ من يسير في نفس دهاليز الأخطاء والانحرافات حاليا بأنه ليس في مأمن من العقوبة ولا بعيدا عن المحاسبة . التقرير الأخير يتناول فترة زمنية مضى عليها عامان لم يصدر تقرير ديوان المراقبة بشأنهما بعد .. فكيف يخدم ترسيخ النزاهة والشفافية التي نريدها وتسعى إليه الدولة .. صحيح أن قضايا الانحرافات المالية تحديدا وحالات الأخطاء عامة ، يتم التعامل معها إثر رصدها والتثبت منها ، لكن ألا من سبيل إلى الكشف عنه في حينه لزجر حالات ربما موجودة في بعض المفاصل الإدارية وأطرافها ..وتمارس الفساد في أموال الدولة ، وتنفق بغير حق وتحت بنود تبدو نظامية لكنها بالنسبة لهم مخارج وتصريفات .. ثم بعد أعوام يصبح ما فعلوه وما طالته أيديهم أو إهمالهم مجرد أرقام في تقارير رقابية جديدة. أقول شيئا من الواقع وليس من خيالاتي : إن أي فساد مالي تصل إليه أجهزة الرقابة بجهد وتحرّ وتدقيق وتوثيق وهذا مسار طبيعي نظامي .. لكن الفساد والانحرافات المالية في أجهزة حكومية ، غالبا ما تبدو شواهده فيها ، لكنه يظل في دائرة الهمس خشية الانتحار الوظيفي وأن تصبح أرزاقهم تحت مقصلة قرارات انتقامية .. وهذه حالة أخرى نعلم أن الجهات الرقابية تتعامل معها بمسؤولية وأنظمة .. لكن قد تكون خشية الشهود أعلى . الفساد والانحراف والأخطاء والإهمال في المال العام له أوجه شتى محصلتها ما يتضمنه تقرير ديوان المراقبة العامة .. ومع التوسع التنموي يزداد العبء على أجهزته ، فلابد من حلول عاجلة ، ويقابلها محاسبات حازمة وسد ثغرات تنهش في قيم النزاهة والشفافية والجدية في المسؤولية . أي تأجيل لعلاج الحاضر ، ستأتي التقارير القادمة بنفس التشاؤم ، وتكشف عن عشرات المليارات تضيع على الدولة بتقاعس أو فساد في الأجهزة التنفيذية ، ومن شأن المحاسبة على (آلاف ) مهدرة ستضمن الدولة ملياراتها بتعاون المواطن ونزاهة المسؤول وأمانته .. نتمنى ألا نسمع من يقول لست أغنى من الدولة فلا يسدد قروضه .. ولا مسؤولا يرى مال الدولة مالا سائبا فينفق أو يجامل به من غير وجه حق ..وأي وجه آخر من أوجه الفساد. نقطة نظام: يا ترى كم حجم خسائر الدولة من الفساد .. وأين صندوق إبراء الذمة .. وكم عاد إليه ، حتى نفهم مؤشر الذمم ؟!. [email protected]