قال الضمير المتكلم: مظاهر الفساد الإداري والمالي في بعض المؤسسات الحكومية كثيرة، ولكن من صوره الظاهرة -وما خَفِي أعظم وأشمل- (التأخير في إنجاز المشروعات، وصَرْف مبالغ مالية دون وجه حق، وضعف متابعة التحصيل، ومخالفة الأنظمة المالية، وحجب بعض البيانات والعقود، والاستمرار في تدوير العُهَد، وصرف عهد جديدة، ونمو أرصدة حسابات الأمانات)! تلك الصور ليست تَجَنّيًا، أو رسَم خيال، أو جَلدًا للذات؛ بل هي حقيقة يثبتها التقرير السنوي لديوان المراقبة العامة! فقد عرضت مجلة الشورى في عددها رقم (117) مناقشة أعضاء مجلس الشورى للتقرير السنوي لديوان المراقبة العامة للعام المالي (1427/1428ه). تلك المناقشة التي حملت العديد من المشاهد الساخنة ومن لَقطاتها: * أن مبالغ المخالفات والتجاوزات التي يرصدها الديوان في تقاريره السنوية تزداد سنويًّا، فمثلاً كان رصيد العُهَد الضائعة في تقرير عام (1425/1426ه) ستة عشر مليارًا وسبعمائة مليون ريال. وقد ارتفع هذا الرصيد عام التقرير إلى أكثر من خمسة وعشرين مليار ريال، وهذا شاهد إثبات على التلاعب والتساهل في الأموال العامة، وعدم تطبيق الأنظمة والتعليمات، وهذا يترتب عليه حرمان الخزينة العامة للدولة من أموال لو حُصِّلت في وقتها لأسهمت في مشروعات تنموية تفيد الوطن والمواطن! * نمو حسابات الأمانات، حيث ارتفع الرصيد عام التقرير إلى أكثر من ستة عشر مليار ريال، وهذا تأكيد على تساهل أمناء الصناديق ومأموري الصرف في توصيل هذه الحقوق لأصحابها، وتجميد تلك الأموال دون فائدة (إلاّ إن كان هناك أسباب مجهولة!!). * تقارير ديوان المراقبة لا تشمل معلومات عن أداء وحسابات الشركات التي تسهم الدولة في ملكية أكثر من 70% من رأسمالها مثل: (سابك، والاتصالات)! * إن ملحوظات ديوان المراقبة على أداء الأجهزة الحكومية تتكرر نفسها كل عام، دون حلول، وكأنها داء مزمن لم يكتشف علاجه بَعْد، والسبب كما أشار أحد أعضاء مجلس الشورى وجود فجوة بين الرقابة السابقة التي تقوم بها وزارة المالية والرقابة اللاحقة التي يقوم بها ديوان المراقبة! الحقيقة أن تنامي ظاهرة إهدار المال العام، وتعدد نماذجها يتطلب سرعة التدخل لوضع الأمور في نصابها. فأين المحاسبة من أولئك الذين خالفوا الأنظمة والتعليمات المالية، فصرفوا بغير وجه حق أكثر من نصف مليار ريال؟ وأين المحاسبة من أولئك المسؤولين الذين أضاعوا مليارات الريالات في تأخير المشروعات أو سوء تنفيذها؟ لابد من حملة وطنية لمكافحة الفساد، أسوة بالحملة الوطنية لمكافحة الإرهاب، بل محاربة الفساد أهم لأنه قد يكون محرّكًا للإرهاب!! ألقاكم بخير، والضمائر متكلّمة. [email protected]