طرح د.مأمون فندي في مقاله المنشور ب المصري اليوم في2009/3/11 فكرة أن مصر دولة خليجية, مشيرا إلي أن الفكرة تبدو نوعا من الخيال الاستراتيجي. وقد عقب د.علي الدين هلال على الفكرة بالأهرام يوم2009/3/21 متناولا تعقيدات الموضوع وحجم التفاعل القائم بين مصر ودول الخليج. والواقع أن هناك فكرتين في هذا المجال عبر عن الأولى د.شيبمان رئيس المعهد الدولي للدراسات الاستراتيجية حينما استفسر مني خلال حفل استقبال عام2006 عن أسباب اهتمام مصر بالخليج منهيا تعليقه بأن مصر ليست دولة خليجية لتحضر حوار المنامة, وهو مؤتمر سنوي يعقده المركز بالبحرين منذ2004 حتى الآن, ولم تكن مصر مدعوة إليه أساسا, ثم تمت الدعوة بناء على اتفاق مع وزير الخارجية البحرينية الشيخ خالد بن أحمد آل خليفة. وقد عبرت عن الفكرة الثانية بأن مصر دولة خليجية بالمفهوم الاستراتيجي خلال اجتماع مع د.مأمون فندي والأستاذة نادية محديد كاتبة وصحفية بالشرق الأوسط ودار نقاش حولها وأوضحت ضرورة التمييز بين المفهوم الجغرافي, والمفهوم الاستراتيجي للخليج العربي, مشيرا إلي أنه وفقا للمفهوم الجغرافي فإن مصر دولة مجاورة للخليج, أما وفقا للمفهوم الاستراتيجي فمصر دولة خليجية, وأضفت أن المطلوب في المرحلة المقبلة تضييق الفجوة بين المفهومين خاصة ان العمق المصري للخليج مطلوب بقدر ما إن العمق الخليجي لمصر مطلوب وحيوي. إن أمن الخليج جزء لا يتجزأ من الأمن العربي, وهذه الحقيقة لابد من التأكيد عليها مرارا وتكرارا لأن وزارات الخارجية الغربيةالأمريكية, وكذا مراكز الفكر والبحوث بهذه الدول تتعامل مع العرب انطلاقا من وجود دول عربية دون وجود العروبة أو العالم العربي لذا فإنها تفضل التعامل مع هذه الدول علي أساس ثنائي, وجميع المحاولات التي تمت لتعديل هذا المسار باءت بالفشل, وفي مقدمتها الحوار العربي الأوروبي الذي قادته الجامعة العربية في السبعينيات. يدعو هذه الحقيقة التحول الحالي لمفهوم الأمن وانتقاله من المعالجة العسكرية إلي المعالجة المجتمعية الإنسانية الشاملة, والشمول بقدر ما يشمل ميادين الأمن فإنه يشمل اقاليمه ايضا, فإقرار الأمن من الخليج يتطلب إقراره في المناطق المتاخمة له والدليل على ذلك أن حرب اليمن ومحاولة الانفصال أثرت على أمن الخليج وأن السياسة السورية تنعكس على الأمن في الخليج. من هذا المنطق ترابط أمن الخليج بالأمن العربي جاء تفاعل العلاقات بين مصر ودول الخليج, ولعل أكبر تجسيد له الآن يتمثل في وجود نحو مليوني مصري يعملون بهذه المنطقة وتمثل تحويلاتهما مكونا اساسيا من مكونات الدخل القومي المصري. اضافة لذلك فإن التفاعل المصري الخليجي في المجال الاقتصادي له أهميته سواء انطلاقا من حجم التبادل التجاري من ناحية أم من حجم الاستثمارات الخليجية في مصر من ناحية أخرى. لكن الأهم والأخطر من هذه التفاعلات أن قناة السويس تمر بها ثلثا إنتاج الخليج من النفط, وتعد أحد ثلاثة ممرات مائية مهمة تعالجها في وحدة واحدة جميع المؤتمرات الخاصة بأمن الخليج وفي مقدمتها حوار المنامة نفسه, وذلك إلي جانب مضيق هرمز وباب المندب, فضلا عن أن السعودية أكبر دولة عربية خليجية تشارك مصر في المحافظة علي أمن البحر الأحمر وبالتأكيد لا يمكن فصل أمن الضفة الشرقية للبحر عن أمن ضفته الغربية. وقد تناول حديث ثلاثتنا في ذلك الحين الدور المصري في دعم استقلال الكويت عام1961, ثم محاولة نزع فتيل الأزمة بين العراق والكويت قبيل الغزو ثم الدور المصري في تحرير الكويت عام1991 وهي المشاركة التي سمحت للدول العربية بالمشاركة فيما بعد, ثم الموقف المصري القائم على أن دور مصر هو تحرير الكويت فقط دون التدخل في الأراضي العراقية ودون المشاركة فيما بعد في الحرب علي العراق. يؤكد هذا الطرح أن مصر أصبحت عضوا في مجموع6+2+1 التي تضم دول مجلس التعاون الخليجي الست, مصر والأردن وأمريكا ثم تقرر ضم العراق أخيرا إليها لتتحول إلي6+3+1 وهي مجموعة تبحث في أمن الخليج. هذا الانضمام المصري للمجموعة لم يأت من فراغ, بل كان تتويجا لتطورات عديدة سابقة عليه, في ظل التفاعلات السابقة وفي ظل الإدراك الخليجي لأهمية دوره لمصر, ويكفي هنا الإشارة إلي هذا الدور خلال حرب أكتوبر1973 وقرار حظر تصدير البترول واستخدامه سلاحا في المعركة مما ساهم في إحداث تعديلات في مواقف العديد من الأطراف الدولية. إلا أن للموضوع ابعادا أخرى لعل أهمها أن الشأن الخليجي شأن دولي, وتهتم به أطراف عديدة كما أشار د.هلال في مقاله, وبالرغم من النجاح الأمريكي في احتكار ترتيبات الأمن في الخليج بحكم ما تمتلكه واشنطن من اساطيل وقواعد بالمنطقة, وبحكم تحولها من قوى عظمى إلى قوة عالمية, إلا أن السنوات الخمس الأخيرة شهدت تحركا من طرفين اساسيين للقيام بدور في هذه الترتيبات. حلف شمال الاطلنطي هو القوة الأولى في هذا المجال, فبعد تعديل المادة الخامسة من الاتفاقية المؤسسة له وهو التعديل الذي سمح لقواته بالقيام بعمليات خارج دول الحلف, مما سمح لهذه القوات بالتدخل في البلقان ثم أفغانستان فقد اتجه الحلف نحو الخليج, وبلور الفكرة فيما يعرف بمبادرة اسطنبول التي طرحت في قمة الحلف بتركيا عام2004 وتهدف إلي إسهام الحلف في تحقيق الأمن الاقليمي والدولي بعيد المدي من خلال التعاون الثنائي مع دول الشرق الأوسط الموسع, وقد دعا الحلف دول الخليج الست للاشتراك في هذه المبادرة إلا أن السعودية وعمان رفضنا الفكرة للآن. خطورة هذا التعاون تنبع من كونه وسيلة للتعاون مع إسرائيل باعتبارها إحدى دول الشرق الأوسط الموسع, اضافة إلى أن دول الخليج نفسها لا يوجد بينها أي تنسيق في هذا المجال خاصة ان التعاون يتم على اساس ثنائي. أما القوة الثانية فكانت فرنسا التي طالبت بالمشاركة في أمن الخليج وسعت إلى طرح صفقات سلاح لبيعها إلى دول المنطقة إلا أن هذه المحاولة خفت حدتها بعد وصول الرئيس ساركوزي للحكم. وبالتالي إذا نظرنا إلى مصر بوصفها دولة خليجية فينبغي أن نبلور موقفا واحدا بالتعاون مع دول مجلس التعاون الخليجي على أن يأخذ هذا الموقف بعين الاعتبار أولويات السياسة العربية أي مواجهة نجمة داود أولا قبل الحديث عن الهلال الشيعي. بهذا الطرح يمكن لمصر أن تلعب دورا محوريا لدعم علاقات الدول الخليجية بإفريقيا, خاصة ان هذه العلاقات تتسم بالتقلب والتباين فعلي الرغم من أن العلاقات بين الطرفين آخذة في التصاعد إلا أن هذه العلاقات مازالت محصورة في نطاق معين مثل الصناعات الاستراتيجية والاتصالات والسياحة والعقارات مع بعض الدول دون غيرها, وفي المجال السياسي بالرغم من أن عوامل التاريخ والحضارة ساهمت في استمرار العلاقات بين الدول الإفريقية ودول الخليج إلا أن هذه العلاقات مازالت ضعيفة دون المستوي بل ان الطرفين لم يبذلا سوي جهود ضئيلة للغاية لتعزيز مكانتهما الاقليمية. الأفكار في هذا المجال كثيرة إلا أن نقطة البدء هي تأكيد موقع مصر على الخريطة الاستراتيجية للخليج, وتحويل هذا الموقع إلى برنامج عمل مشترك ليس بين مصر وكل دولة على حدة وإنما بين مصر ومجمل دول مجلس التعاون الخليجي وتنسيق الموقف مع هذه الدول في مختلف المجالات, خاصة ان الأزمة الاقتصادية العالمية قد أكدت مرة أخرى ترابط العالم فما بالنا بجيراننا المباشرين الذين تربطنا بهم عوامل التاريخ والجغرافيا والحضارة والمصير المشترك متمثلا في العروبة وما يواجهها من تحديات, فمصر بقدر ما هي دولة أفروآسيوية فإنها حلقة الوصل بين ثلاث دوائر بالقلب العربي هي الدائر ة الخليجية ودائرة الشام ودائرة الشمال الإفريقي, وهو ما ينبغي أن تنطلق منه سياسة مصر الخارجية في المرحلة المقبلة. الأهرام المصرية