يواجه الرئيس الأمريكي باراك أوباما مسؤوليات ضخمة ، وتنعقد حول إدارته آمال عريضة. ولا يوازي عمق الاستحقاقات التي يتحملها الرئيس الجديد تجاه المجالين الداخلي والخارجي سوى التطلع المتشوق وربما المتشكك الى معرفة في ما إذا كان هذا الرئيس سيتمكن بالفعل من معالجة القضايا والمشكلات التي تواجهها الولاياتالمتحدة والعالم.إن جانباً من الأهداف التي يتعين على الرئيس أوباما تحقيقها في خصوص إنعاش الاقتصاد الأمريكي ومواجهة عجز الميزانية الحكومية وتخفيض حجم الدين العام يقع في صميم مهامه كقائد للدولة الأمريكية، ولكن العوامل التي تسهم بالفعل في تحديد نجاح أو فشل الرئيس في تحقق هذه الأهداف ليست في نطاق سيطرته تماماً.يرتكز جوهر الأزمة الاقتصادية في الولاياتالمتحدة على الإشكالية المزدوجة في أن الأمريكيين الذين يرغبون في الإنفاق لا يملكون الأموال، وأن الأمريكيين الذين يملكون الأموال غير راغبين في إنفاقها. وفي ظل سيطرة حالة الفزع في القطاعات الإنتاجية والحذر في المؤسسات المالية، فإن دخول سلطات ومؤسسات الدولة التي يقودها الرئيس أوباما من أجل الإنقاذ ربما جاء متأخراً وأيضاً غير مرحب به، خاصة بعد بقاء هذه القطاعات والمؤسسات بعيدة عن سيطرة وتخطيط الدولة على مدى العقود الماضية، وذلك وفقاً للمنطق الرأسمالي السائد. كما يمكن تبرير الآمال التي تعقدها دول العالم وشعوبه في خصوص دور إدارة أوباما في تناول المشكلات والمسائل الدولية التي تزخر بها أقاليم العالم من خلال مكانة الهيمنة المفترضة التي تتمتع بها الولاياتالمتحدة، إلا أن حجم الإنجاز الفعلي الذي يمكن أن يحققه الرئيس الأمريكي في هذا الصدد يتحدد الى درجة كبيرة بمدى تعاون القوى الدولية الأخرى ذات التأثيرين المباشر وغير المباشر في الإشكاليات المعلقة. ففيما يختص بالقضية الفلسطينية مثلاً، فإنه من اللائق الاعتقاد أن إسرائيل قد فقدت حليفاً مخلصاً وقوياً بانقضاء عهد الرئيس السابق جورج بوش، ولكن هذا لا يعني بشكل تلقائي أن الحكومة الاسرائيلية سوف تتعاون بشكل فاعل مع أية رؤية متوازنة لدى الرئيس أوباما تجاه تسوية الصراع العربي الإسرائيلي، أو تجاه الحقوق الفلسطينية العادلة بإقامة وطني قومي مستقل، هذا إذا كانت إدارة الرئيس الجديد تحمل مثل هذه الرؤية في بادئ الأمر، أو تريد تحقيق هذه التسوية بشكل صادق مهما كلفها الأمر. الأسوأ من ذلك، فإن احتمال تولي بنيامين نتنياهو زعامة الحكومة الإسرائيلية المقبلة أو تشاطره السلطة في ائتلاف يجمعه مع تسيبي ليفني يشي باحتمال أن تتمكن اسرائيل من الانفراد في تقرير مسار الصراع في الشرق الأوسط بعيداً عن الإسهام الأمريكي الفاعل، أو على أقل تقدير تحييد الإدارة الأمريكية دون الحاجة الى مساندتها المطلقة، وذلك على خلاف الحال الذي كان سائداً في ظل إدارة جورج بوش طيلة الأعوام الثمانية الماضية. يمكن أن تقرر الإدارة الأمريكيةالجديدة أن تستبدل تهور وانحياز وعنف إدارة بوش بكافة عناصر العقلانية المرغوبة، ولكن جوهر الأمور في الساحتين المحلية والدولية هو أن العقلانية تصطدم في أغلب الأحيان بعناصر الغموض وسلبيات الاعتماد المتبادل في عالم لا يقوده أحد بشكل منفرد وفعلي. هل سيقابل نهج أوباما المعتدل اعتدالاً وتعاوناً مماثلين من قبل قوى أخرى مثل إسرائيل والصين وإيران وغيرها؟ . القدس الفلسطينية