من شرفة فندق WESTIN في الدور التاسع في دالاس بدت لي هذه المدينة المهولة في كل شيء في شوارعها وحركة السيارات فيها ،بأسواقها الطويلة العريضة، بناسها وأحداثها ،بدت لي كخاتم من النحاس قد ضاق على أصبعي عندما لاحت لي في الأفق البعيد وخيوط الشمس بدأت تفرش أشعتها في ذلك الصباح الباكر كل المساحات الخضراء أمامي. وأنا ألمح على ذلك البعد ربوع بلادي التي تفصلني عنها هذه المسافات المرهقة.. تذكرت أبا الطيب في قوله: نحن أدرى وقد سألنا بنجد أطويل طريقنا أم يطول وكثير من السؤال اشتياق وكثير من رده تعليل هكذا كنت أردد وقد رحت ألملم أشيائي المتناثرة اشتياقا للرحيل حتى بدت ساعات الطيران أكثر طولا وفي داخلي أكثر احتراقاً. ** هذه جدة تبدو لي في ذلك الوقت المتأخر من الليل مدينة تموج بالحركة والحراك كأنها لم تنم بعد، فهذه شوارعها تقطعها السيارات في تسارع أو تسابق لا فرق ،وصوت أمواج بحرها الساحر كأنه رجع دفوف في ليلة عرس صاخب بالمودة والعناق، والهوى في شاطئها غريق كما قال شاعرنا الكبير: النهى بين شاطئيك غريق والهوى فيك حالم ما يفيق والحب في رحابك شتى يستفز الأسير منها الطليق هكذا رحت "أغني" في ذلك الليل الساجي. فقد تساقط كل تعب الرحيل كأنه "غبار" دقيق لصق بذراع ذلك الخباز.