من الخصائص الجميلة والعزيزة في بلادنا ولله الحمد شماله وجنوبه، شرقه وغربه، الاجتماعات الأسرية، واجتماعات الأصدقاء والزملاء في المنازل، أو الاستراحات، أو المزارع، أو أي مكان مناسب، ويضم هؤلاء بالتأكيد ما نطلق عليه مجلساً، في حين أن هذه الخصيصة تكاد تكون مفقودة في بعض المجتمعات، وبخاصة غير المسلمة. وهدي الرسول هدي شامل في جميع أمورنا الدينية والدنيوية، فلا خير إلا دل الرسول الأمة عليه، ولا شر إلا حذرها منه، وبيَّن لأمته أموراً دقيقة وآداباً جليلة في المأكل والمشرب، والنوم، وسائر شؤون الحياة، بل حتى آداب دخول الخلاء، ولذا فقد كان للمجالس والاجتماعات العديد من الأحاديث النبوية التي تنظم إطارها الشرعي، حتى تكون مجالس محمودة. والمجالس كما أشرت في مجتمعنا ظاهرة ملموسة ولله الحمد ، وهي جزء من ثقافة المجتمع، ولا غرابة أن نرى ونسمع أن في المنزل الواحد مجلساً للرجال وآخر للنساء، وملحقاً "مجلساً للشباب"، ولكن السؤال : كيف هي أحوال بعض المجالس، وهل هناك التزام بآداب المجلس ؟ وسأتطرق إلى جزئية يسيرة في هذا الخصوص، وهي آداب الحديث في المجالس، وبعض الملحوظات التي لا يلتزم فيها المتحدثون بالآداب الشرعية، أو الأعراف والذوق العام، ومنها : * مقاطعة المتحدث، أو كما يقولون "الدخول عرض"، فبعض الجلساء لا يحسن الإنصات للحديث وتجده دائماً يقاطع المتحدث قبل أن يكمل حديثه، ولا ينتظر سماع الحديث بأكمله، حتى وإن كان المتحدث أكبر منه مقاماً وعلماً وسناً، وأياً كان المتحدث فلابد من احترامه وعدم مقاطعته، أو الإنصراف بحديث جانبي عنه وهو يتحدث. * تصدر بعض "الثرثارين" للمجالس، واستئسادهم وتفردهم بالمجلس، وكما يقول إخواننا المصريون "أبو العريف"، فهو يتحدث في السياسة، والدين، والطب، وسائر الأمور الدينية والدنيوية، أو كما يقول العوام "افتحوا لي أخرط لكم"، وتجده يتحدث في هذا المجلس وفيه من هو أعلم منه به بحكم تخصصه، إن لم يتعد ويؤكد مصداقية كلامه "بلجته"، وهو بعيد عن هذا "الفن" أو "التخصص". * بعض المجالس تمتلئ بمندوبي وكالة "يقولون"، ووكالة "قال لي واحد يجيب العلم"، وهم من يسعدون بنشر الإشاعات العامة والخاصة، ويتفنون بها، وهؤلاء لا يسعهم مجلس واحد، بل تراهم يتنقلون من مجلس إلى آخر، يحملون معهم هذه الأخبار، وإن لم يسعهم الوقت، استندوا إلى الهاتف المحمول ، وبثوا أخبارهم، وينسى هؤلاء حديث الرسول :"كفى بالمرء إثماً أن يحدث بكل ما سمع". * من الناس من لا يحلو الحديث له بقصة، وإن كانت واقعية، إلا أن يذكر صاحبها، ومن هو، ومن أي بلد، وكافة التفاصيل التي تجعلها تدخل في دائرة الغيبة، وليتها قصص طيبة، بل هؤلاء لا يجيدون سوى رواية الأحداث الشائنة والأخبار السيئة عن الناس . * قد يحدث في المجالس هفوات كلامية أو فعلية، وهذا أمر طبيعي من سمة البشر، ولذا كانت كفارة المجلس التي أرشدنا إليها معلم الخلق، والهادي إلى الحق، والناطق بالصدق محمد ، حينما قال في الحديث :"سبحانك اللهم وبحمدك، أشهد أن لا إله إلا أنت، أستغفرك وأتوب إليك" بيد أن البعض لا يعرفون ما يسمى بأمانة المجلس، فيسترون ما حدث فيه من خطأ أو نسيان، فتجدهم حالما يخرجون من المجلس يبدأون "قال فلان وسوى فلان"، فيفشون أسرار الناس، ويهتكون أستارهم، وغالباً ما تكون أخبارهم كاذبةً، أو فيها زيادة ونقص ومبالغات لا أصل لها، والصادق منهم يعبّر القصة ويحللها على حسب فهمه لا الواقع، وحتى أخبار الرجال تنقل إلى مجالس النساء بواسطة زوجاتهم أو أخواتهم. وأخيراً فقد سعدت بحضور مجالس كبيرة وكثيرة، وجدت فيها آداب المجلس الحقيقية، فلا بهتان ولا غيبة، وحسن إنصات للمستمع، وحسن منطق للمتحدث، لا يتقدم الصغير على الكبير، وإذا وجد المختص كطالب العلم، أو الطبيب، أو المهندس، قدم للإجابة في فنه، وسائر آداب المجلس في احترام الصغير للكبير، وآداب السلام، وبعضها يبدأ بقراءة للقرآن، ثم بحديث نبوي، ثم تبدأ الجلسة، وبعضها إن لم يكن بها هذا الأمر، ففيها كف للأذى، ودعوة للخير، وحث على مكارم الأخلاق. alomari1420 @ yahoo.com