اظن أنه لا بأس ان أستعير عنوان هذا المقال (شمطاء في زي حسناء) وهو في الأصل من كلمات وتعبير الرمز الأدبي السعودي الكبير، المرحوم الاستاذ (محمد حسن عواد) والذي كان قد أورده الاستاذ الناقد (عبدالله عبدالجبار) في المجلد الثاني من مجموعته الكاملة (التيارات الادبية الحديثة في قلب الجزيرة العربية).. وكان العواد قد اورد هذه العبارة، في سياق رأيه عن بلاغة الاقدمين، وبلاغة العرب المحدثين، ثم بلاغة الغربيين، عندما قال: (لندرك أي تطور فني قد لف بعصاه السحرية الادباء في ذلك العهد) إلى أن قال: (تلمستها - اي البلاغة - في شعر المولدين، فإذا هي عجوز شمطاء في زي حسناء)!! ** وإذا ما عرَّجنا قليلا عن صلب دنيا الادب والادباء، فإننا سنجد انفسنا امام حالة اجتماعية عجيبة، وهي أن عددًا من السيدات، ممن بلغت الواحدة منهن من العمر عتيّاً، وتراها قد توشحت شخصية فتاة حسناء، ولكن بالمقلوب.. حيث اغرقت نفسها في بحر من المساحيق، واثقلت اطرافها وعنقها بالحلي، من نوع (ما زاد ثمنه وخف حمله) وراحت ترتدي ثياباً من الماركة التي لا تليق الاّ بالمراهقات، ثم طفقت تغشى الحفلات والمناسبات، فيما عيون النقد ترمقها من على بعد، وملامح الاشمئزاز مصوبة نحوها، بعد ان خلعت ما كان يليق بها واستبدلته بما هو غير مناسب لمرحلتها العمرية. وكأنها تصرّ على ان تظل هكذا (تجتر) شبابها حتى الرمق الأخير من العمر. ** في تقديري الشخصي ان للوقار بالنسبة لمثل هذه العجوز الشمطاء، ومن هن على شاكلتها، إنما هو جمال معنوي لافت، ولو أنها هدأت وتعاملت مع الأمور بشكل طبيعي، وبدون تكلف، او اعتساف لحقيقة سنة الحياة، لكان ذلك خيرا لها، وبركة في عمرها، فإن هناك كثيرين جدا يرون ان للوقار جمالا غريبًا، وملمح لطيف من ملامح الحسن، الذي يليق بكبيرات السن، ويضعهن بالتالي في الصورة الامثل، والمكانة الافضل. ** ولعلنا بالمناسبة نتذكر تلك الفنانة المطربة العربية الشهيرة، التي ما فتئت تمارس اجترار مراهقتها، عبر سلسلة طويلة من الممارسات التي ارهقت بها نفسها، لتقول للناس من حولها انها ما زالت (صبية) و(حلوة الحلوات) بينما المتوقع ان عددا ليس قليلا من اسنانها الحقيقة قد سقط، وان كتفيها وظهرها قد احدودبا، وان شرايين كفيها قد برزت، ووجهها قد (تطوى) لولا (عمليات الشد) التي ارهقت بها نفسها، وحاولت من خلالها ان (تأخذ زمانها وزمان غيرها) ولكن في نهاية المطاف لا يصح الا الصحيح. ** (ان العطار لا يصلح ما أفسده الدهر) كما يقول عمنا الجاحظ، ولذلك فإن العقل كل العقل ان يتحرك كل واحد منا في شارع الحياة، وفق السنة الكونية، فيعطي لكل مرحلة من مراحل حياته ما تستحقه، من اللباس والرزانة والكلام والحركات، حتى لا يصحو على الفاجعة عندما يمر من جانبه ناصح غاضب، فيقول له بملء الفم (يا لله - حسن الخاتمة)!!. ** واخيراً فإن هناك من يشبه الدنيا بأنها نفسها بمثابة (العجوز الشمطاء.. في ثياب حسناء) حيث اننا جميعاً معرضون الاّ من رحم ربي الى الاغترار بها، وبحسنها، وطيب رائحتها النفاذة، وحلو ايامها الخضراء، ورفاهيتها المزركشة، وجماليات جوانبها الفاتنة، فنظل نركض وراءها من شارع الى شارع، ومن زقاق الى آخر، وعندما نلحق بها، في نهاية العمر وبعد جهد جهيد، تستدير نحونا، وتكشف لنا الغطاء أو الخمار الذي كان فوق محياها، فإذ بها شمطاء قاحلة مكفهرة المحيا.. عندها سنندم حتماً على كل ذلك النصب والعناء الذي لحق بنا من جراء معاكستها ومطاردتها!! [email protected]