قدر لي في بداية مشواري الصحفي ان تُفتح عيناي.. على مقالات الصحفي الكبير محمد حسنين هيكل الذي اختار ان يكتب مقاله الشهير بصراحة "يوم الجمعة" وهو اليوم الذي يقرأه كل المصريين نظرا لانه يوم اجازة وكان يكفي لبائع الصحف في منزلنا "بحي الحلمية الجديدة" بالقاهرة ان ينادي "بصراحة هيكل" لكي تفتح امي "يرحمها الله" البلكونة وترسل "السّبت" المدلّى بالحبل لكي تحجز لي اهرام الجمعة حيث يتسابق الجميع على اقتناء هذه النسخة الاسبوعية من الاهرام والتي يكتب فيها "هيكل" مقاله "بصراحة" والذي كان يطلعنا فيه على آخر ما يجري في مجريات السياسة الداخلية والخارجية.. وبالذات كيف يفكر الرئيس جمال عبدالناصر بصوت عالٍ من خلال منبر الاهرام ومن خلال صديقه الصحفي (محمد حسنين هيكل) بل ان هذا المقال المهم لمن فاته شراء الاهرام او لمن لم يجدها في السوق عليه ان يستمع للمقال وبصوت المذيع الشهير احمد سعيد في (صوت العرب)، هكذا كان "هيكل" بالنسبة للصحافة والاعلام المصري ولدرجة ان بعض الصحفيين الكبار اطلقوا عليه لقب "الصحفي الاوحد" لحميمية العلاقة التي ربطت بينه وبين الرئيس جمال عبدالناصر. وخلال صيف العام الماضي زرت اكاديمية اخبار اليوم الصحفية في مدينة 6 اكتوبر بمصر وكان هدف الزيارة هو الاستمتاع بهذه الصور التاريخية النادرة التي عرضتها الاكاديمية في بهو الاكاديمية الرئيسي حيث عرضت مجموعة صور نادرة للكاتب محمد حسنين هيكل في صدر الشباب وكان رئيساً لتحرير مجلة "آخر ساعة" التي شرفت فيما بعد للعمل بها في قسم "التحقيقات الصحفية" ابان تولي الاستاذ انيس منصور رئاسة تحريرها.. اعود فأقول: "ان هناك مجموعة صور نادرة سجلها مصور اخبار اليوم القدير "محمد يوسف" لزيارة الرئيس جمال عبدالناصر لمحمد حسنين هيكل في مكتبه بأخبار اليوم وشهد هذا اللقاء الرئيس محمد انور السادات وعدد من قيادة ثورة 1952م كما حضره الاخوان (مصطفى وعلي امين) وهناك مجموعة اخرى نادرة من الصور لزيارات اخرى لسيدة الغناء العربي ام كلثوم ولقائها مع كامل الشناوي وصحفيّي اخبار اليوم الكبار صور كبيرة وناطقة تؤرخ لتاريخ الصحافة المصرية. وتتوالى الايام.. ويخرج الصحفيون اليساريون من السجون والمعتقلات المصرية وعلى رأسهم الصحفي والكاتب اليساري محمود امين العالم الذي تولى لفترة من الوقت رئاسة مجلس ادارة اخبار اليوم، في هذه الفترة جاء الى اخبار اليوم مجموعة كبيرة من الصحفيين اليساريين منهم الكاتب فيليب جلاب والرسامون (زهري)و(حجازي)و(ابتسام الهواري) ومحمد سيد احمد وكثير من الصحفيين اليساريين الذين تولوا اعمال قيادية في مؤسسة اخبار اليوم الصحفية - وهنا - بدأت الدولة تراقب ما تنشره اخبار اليوم بدقة وبدأ (الرقيب) الموجود في كل صحيفة قومية (الاهرام - والاخبار والجمهورية) يُمارس مهام عمله بعناية وخلال هذه الفترة صدر قرار باشراف محمد حسنين هيكل على مؤسسة الاهرام ومؤسسة الاخبار ايضا ولاحظنا ان الاهرام تنشر اخبارا لا يتم حذفها من الاخبار المنشورة في "الاخبار" وطالبنا باجتماع موسع مع الاستاذ محمد حسنين هيكل وحضره الاستاذ محمود امين العالم وكان السؤال المطروح عليه لماذا تنشر الاهرام اخباراً تحجب عن الاخبار وكان رد الاستاذ هيكل انها "منافسة صحفية" شريفة.. ولكننا كنا ننظر الى ان الرقيب في الاهرام يرى ان اخبار "هيكل" فوق عملية الرقابة لانها تنشر وفق موافقة جهات عليا. هذه الفترة المهمة من تاريخ الصحافة المصرية عشت بعض فصولها مع استاذين كبيرين.. احدهما ليبرالي في التفكير والتوجهات والآخر يساري حتى النخاع رحم الله الكاتب الكبير محمود امين العالم ومتع استاذنا محمد حسنين هيكل بالصحة فما زالت افكاره القيمة تضيء في اكثر من اتجاه.