عندما تنتهي ولاية رئيس دولة، خصوصاً إذا كانت دولة مهمة وفاعلة في الحقل الدولي، فإن الرأي العام والمؤرخين يحكمون على من انتهت ولايته خلال تقييمين: مقدار الإنجازات التي تمّت في عهده نتيجة حنكة وحكمة وإدارة أو مقدار الفضائل التي ميّزت أسلوبه في العمل حتى ولو كانت الإنجازات متواضعة. منذ بضعة أيام غادر البيت الأبيض الرئيس الأمريكي السابق جورج بوش. فكيف سيكون الحكم على هذا الرجل من خلال الزاويتين السابقتين؟ أعتقد أن ذلك الموضوع يهمنا لأن أفعاله، التي تميزت بالحماقة والشر والتسلّط، وأقواله التي جرحت مشاعر كل عربي ومسلم، قد تركت المرارة والغضب والازدراء في كل أرض العرب والمسلمين. والحكم عليه لن يقتصر فقط على شخصه وإنما سيشمل كل من ساعدوه على إدارة أمريكا وعلى إيذاء العالم إبّان فترة حكمه الأسود المأساوي. لقد كانت كل منجزات الرجل سلبية وقاتمة وإلى حد كبير فاشلة. فمن حربه المجنونة على ظاهرة الإرهاب والعنف وتأجيجها بدلاً من إضعافها واستغلاله لتلك الظاهرة من أجل إنقاص الحقوق المدنية للأمريكيين ومن أجل إعادة ظاهرة الاستعمار، الى ممارسة الكذب والانتهازية من أجل احتلاله للعراق، الى استهتاره بحقوق الإنسان الكبرى في سجون غوانتانامو وأبو غريب، وفي سجون سريّة عبر العالم كله، الى الوقوف مع الاستعمار الاستيطاني الصهيوني وبشكل شيطاني ضد المقاومة العربية في الجنوب اللبناني وفي غزة، واعتبارها زوراً وبهتاناً عملاً من أعمال الإرهاب، الى إضعاف هيئة الأممالمتحدة وشلّ حركة مجلس الأمن، وأخيراً الى ترسيخ عقيدة الرأسمالية المتوحشة في إضعاف الدولة وترك المجتمعات فريسة النظام بالسوق الحر واحتكارات الشركات العولمية الكبرى. إنها حقاً إنجازات بائسة يمكن أن تضاف لها عشرات المواقف المحزنة الأخرى. ولقد أحالت تلك الممارسات والأفعال أمريكا الى دولة استعمارية مجنونة محتقرة مكروهة في كل العالم. وبالمثل، فإن الرئيس الراحل ومعاونيه فعلوا كل ما فعلوه، وانتهوا بهذه الحصيلة الهزيلة، دون أن يمارسوا أياً من الفضائل الأخلاقية الكبرى. فالرئيس الراحل حاول أن يوهم شعبه والعالم بأنه كان يمارس البطولة في مواقفه وأفعاله. لكن، وكما قال الشاعر الإيراني سعدي، فإنك تستطيع أن تقطع رأس الفيل عن جسده، ولكنك لن تعتبر بطلاً إن فعلت ذلك من دون إنسانية. فالرئيس الأمريكي، القائد الأعلى لجيش بلاده، وبمساعدة وزير دفاعه السابق رامسفيلد القاسي القلب والضمير، قد جعل جيوشه تمارس قطع رؤوس مئات ألوف البشر ببطولة زائفة وترتكب كل أشكال جرائم الحرب دون رادع إنساني يمنعها من السقوط في الحيوانية. وينطبق الأمر على ممارسة الكذب والتلفيق وعلى الادعاء بامتلاك الحقيقة الربانية وعلى إعلاء شأن وكيل المديح لكل عمل همجي سافل تقوم به القيادة الصهيونية وعلى ازدراء أي فكر مستنير وعلى الاستزلام الفاضح لليمين الأصولي المسيحي - الصهيوني الأمريكي المتطرّف. من هنا فإن كل ما سبق ذكره سيصبّ في تدمير شبه كامل لسمعة ذلك الرئيس. فالرئيس الذي بلغت شهرته الآفاق ستبلغ سمعته الحضيض، الآن وعبر امتداد تاريخ بلاده. وعندما يفقد الإنسان سمعته، كما صرخ البطل الشكسبيري أوثلّوا، فإنه يفقد الجزء الخالد من نفسه، أي روحه، وعند ذلك لا يبقى منه إلا ذلك الجزء البهيمي المنحط. وإذا كانت السمعة الحسنة لا تكتسب إلا بكثير من الأفعال الطيبة فإنها تضيع وتسقط من عمل سيئ واحد، فكيف إذا كانت الأعمال السيئة تعد بالعشرات كما هو الحال مع ذلك الرئيس الجاهل. وإذا كان لا بد من أن يذكر التاريخ ولو صفة واحدة لجورج بوش الابن فإنه سيذكر أنه مارس بجنون العقيدة القائلة بأن القوة هي الحق. ولكن كما قال الفيلسوف الإغريقي فيدروس، فإنه حيث تعلو القوة على الحق تضيع العدالة. جورج بوش سيذكره التاريخ بأنه كان جهولاً ظلوماً، وأنه أوصل سمعته وسمعة بلاده الى الدرك الأسفل. عن دار الخليج